النص الكامل لمقال لوموند الذي أثار غضب المغرب

في المغرب، أجواء نهاية عهد لمحمد السادس

«لغز محمد السادس» (الفصل الأول من عشرة فصول).

بعد ستة وعشرين عاماً من اعتلائه العرش سنة 1999، لا يزال العاهل المغربي شخصية معقدة في علاقته بالسلطة. وبينما يثير وضعه الصحي تساؤلات، فإن أفق الخلافة يشعل صراعات نفوذ ومؤامرات بين فصائل النخبة.

صورتان متقابلتان، ومن ورائهما روايتان متقاطعتان، تصنعان ذلك المشهد الملكي الملتبس الذي ينعكس فيه المغرب الراهن. المشهد الأول جرى في 7 يونيو، أثناء صلاة عيد الأضحى في مسجد تطوان، شمال المملكة الشريفة. كان الملك محمد السادس مرتدياً جلباباً أصفر فاتحاً وطربوشاً أحمراً، جالساً على مقعد جلدي. وجهه بدا شاحباً متعباً، فيما كان الحاضرون من حوله يسجدون لله. هذه الصورة للملك، البالغ 62 عاماً، وقد تميز بجموده الهش وسط جموع ساجدة، في حركة لم يعد قادراً على أدائها، زادت من القلق السائد حول حالته الصحية.

بعد أكثر من أسبوعين، انعكاس تام للرواية. فقد بثّت مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يُظهر محمداً السادس بلباس البحر، يقود وحيداً دراجة مائية (جيت-سكي) قبالة شاطئ كابو نِجرو، قرب تطوان، محاطاً بزوارق حراسة. الملك يلوّح بخجل لعدد من مواطنيه الذين يهتفون له من الساحل. ورغم أن حركاته بدت متثاقلة، فإن ملكاً يقود مثل هذه الآلة بنفسه لا يمكن اعتباره مريضاً. هكذا تبدّد فجأة الانطباع المقلق الذي خلّفه المشهد السابق.

هذه الثنائية تلخص مسار الانتقال الذي يعيشه المغرب. فالملك يعاني من ضعف جسدي، تؤكده صور أخرى – خاصة حين استقبل إيمانويل ماكرون في الرباط، أواخر أكتوبر 2024، وقد بدا نحيفاً متكئاً على عصا – غير أن هذا الضعف لا يُعتبر في هذه المرحلة خطيراً، ولا مما يهدد هدوءه في قيادة دفة المملكة.

هذا هو الخطاب الرسمي المصاغ بعناية والموزع بإلحاح. ولمن يظل قلقاً، يُلمَّح له بأن الخلافة، إن لم تكتمل جاهزيتها بعد، فهي في طور النضج، تتعرف إلى شؤون الحكم وتحتك بالعالم، وفق تقاليد عريقة. وهي التقاليد نفسها التي منحت السلالة العلوية، الأسرة الحاكمة، عمراً مديداً تفتخر به البلاد منذ القرن السابع عشر.

شعور بالفراغ

منذ عامين تسلط الأضواء بشكل متزايد على نجله الأكبر، مولاي الحسن، ولي العهد. هذا الشاب النحيل البالغ 22 عاماً يواصل دراسته بالرباط، حيث يتعلم من بين أمور أخرى اللغة الصينية. وقد مثّل والده في نهاية نوفمبر 2024 خلال توقف شي جين بينغ، الرئيس الصيني، بالدار البيضاء، عائداً من قمة مجموعة العشرين في البرازيل. اللقاء الذي جمع الأمير بأحد أقوى رجال العالم حول صينية شاي وحلويات شكّل محطة فارقة.

مجلة ماروك هبدو عنونت آنذاك: «مولاي الحسن في مصاف الكبار»، ورأت في هذا المشهد «التعميد الرسمي لنشأة ملك مقبل». انطلاقة الأمير الشاب تجري وفق التقليد: ففي 31 يوليوز تم تعيينه رسمياً كولونيل-ماجور، وهي أولى المراتب التي تسبق لقباً – متوقعاً قريباً – لمنسق مكاتب وأجهزة أركان القوات المسلحة الملكية. وذلك تحديداً في السن نفسه الذي ورث فيه والده سنة 1985 كل هذه الرتب والألقاب.

لكن الانفتاح على الساحة الدولية مسألة أخرى. فبالنسبة للأمير الحسن، توقفت لقاءاته مع قادة الدول عند تبادله الحديث مع الصيني شي جين بينغ. ولم يتبع ذلك أي لقاء بارز آخر. ففي حفل إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام في باريس، أواخر 2024، مثّل الملكَ شقيقُه، مولاي رشيد. وفي أبريل، خلال جنازة البابا فرنسيس، أوفد إلى روما رئيس وزرائه عزيز أخنوش. أما في يونيو، في مؤتمر الأمم المتحدة حول المحيط المنعقد في نيس، فقد مثّلت المغربَ إحدى شقيقاته، الأميرة للا حسناء.

«هناك ترتيب محسوب بدقة، كي لا تُرسل أي إشارات قد تُفسَّر وكأنها تسليم للراية بين محمد السادس وابنه الحسن،» يفسر دبلوماسي غربي معتمد في الرباط. «على أي حال، لم يحن الوقت بعد. لا ينبغي أن نسبق الأحداث. الانتقال لم يبدأ بعد، حتى لو كان في أذهان الجميع.» وهذه هي المعضلة الحقيقية بالنسبة إلى مغرب يواجه تحديات اجتماعية واقتصادية هائلة – نزوحاً ريفياً متسارعاً بسبب ندرة المياه، بطالة الشباب، انقسامات اجتماعية، وغيرها – وهي تحديات تستلزم حُكماً حازماً.

ومهما بلغت دقة «الإخراج» الرسمي، فإنه يعجز عن تبديد الضباب السياسي الذي يلفّ هذا الانتقال الفريد، المعترف به ضمناً من دون أن يُصرَّح به أو يُتَحمل عبؤه. «الملك لن يتنازل عن العرش رغم مرضه»، يؤكد عارف بخبايا المخزن، وهو مصطلح لا ترجمة دقيقة له، يشير إلى منظومة السلطة في المغرب، ويمتد ليعني القصر الملكي نفسه.

إذن، محمد السادس ما يزال فعلياً على رأس الحكم، ويجب أن يُعرف ذلك. تتوالى البلاغات الرسمية عن المهام التي يضطلع بها، وفق الصيغة المألوفة: «جلالة الملك محمد السادس، أمير المؤمنين، أعزه الله ونصره»؛ من رئاسة مجالس وزارية، إلى استقبال الولاة والسفراء، إلى رسائل التعزية لعائلات شخصيات مرموقة أو التهاني في المناسبات الوطنية، وصولاً إلى العفو الملكي عن محكومين بمناسبة الأعياد. ومن الصعب ألا يُرى في هذا الزخم البروتوكولي محاولةً لتبديد الانطباع بوجود فراغ في القمة، وهو الانطباع الذي رسخته غيابات الملك المتكررة في السنوات الأخيرة.

غير أن هذا الغياب لم يكن دائماً مرتبطاً بصحته. فرحلاته الطويلة الترفيهية إلى باريس، ودبي، والسيشل، وزنجبار أو الغابون كانت تعكس بالأساس نوعاً من الانفصال، إن لم يكن فتوراً، تجاه ممارسة المسؤوليات. حتى أقرب مستشاريه باتوا يقلقون من ذلك.

قرب يثير الجدل

إنها حكاية قديمة، تلك العلاقة الملتبسة بالعرش… فإذا أمعنا النظر، تعود جذورها إلى سنوات الثمانينيات والتسعينيات، أي فترة خطواته الأولى كأمير، في ظل والده الحسن الثاني (1929-1999). «محمد السادس: الأمير الذي لم يرد أن يكون ملكاً»، هكذا عنون الصحفي الإسباني فيران سالس أيخ كتاب السيرة (غير المترجم) الذي خصصه له عام 2009.

ويمكن القول إن ربيع 2023 شهد ما وُصف بـ«عودة الملك»، وفق تعبير الصحفي المغربي عمر بروكسي. وهو توقيت لم يكن اعتباطياً. ففي أبريل من ذلك العام، فجّرت مجلة ذي إيكونوميست البريطانية زلزالاً داخل دوائر الحكم عبر تحقيق مطوّل بعنوان: «لغز الملك المغربي الغائب».

يروي المقال بالتفصيل النفوذ المتزايد الذي بدأ يمارسه على الملك أبو بكر زعيتر، بطل فنون القتال المختلطة (MMA) الذي التقى به عام 2018 في حفل بالقصر الملكي تكريماً لإنجازاته على الحلبات الدولية. «لقد كان الأمر أشبه بصدمة وجدانية»، يلخص مقرب من الدائرة الأولى. فقد دعا الملك فوراً البطل للانضمام إليه في صلاة الجمعة.

سرعان ما نشأت علاقة شخصية بين العاهل والملاكم الألماني-المغربي المنحدر من جالية ريفية في كولونيا. ولم يتأخر الأمر حتى انضم إليه شقيقه عثمان، وهو بطل MMA بدوره، إضافة إلى توأم أبي بكر، عمر، الذي يتولى إدارة أعمالهما، فضلاً عن والدهما، إمام مسجد في ألمانيا، والذي سيصبح لاحقاً مؤذناً لمسجد القصر الملكي.

«مع هؤلاء الأصدقاء الجدد، يشعر الملك براحة أكبر،» يضيف مصدر مطّلع على شؤون البلاط. «لقد كان بحاجة إلى طي صفحة ما بعد طلاقه سنة 2018. عائلة زعيتر جلبت له شيئاً من الخفة. معهم، لا يُذكَّر دوماً بالهموم ومتطلبات الحكم. ثم إنهم أعادوه إلى ممارسة الرياضة، وهو أمر أفاده كثيراً.»

مثل هذا القرب سرعان ما أثار الاستياء. فقد صُدمت النخبة المغربية من اختراق هذه الإخوة ذوي الأساليب الصاخبة والسجل الجنائي المثقل في ألمانيا، بحسب صحافة ذلك البلد. يظهر الإخوة زعيتر على شبكات التواصل الاجتماعي إلى جانب محمد السادس، أو تحت صورته، وهم يستعرضون عضلاتهم المنتفخة، وساعاتهم الفاخرة، وسياراتهم اللامعة (فيراري، بنتلي، رولز رويس، إلخ)، وهي هدايا من صديقهم الملكي. بل إن محمداً السادس وضع تحت تصرفهم قصراً من أملاك الدولة الملكية في طنجة، ليقيموا فيه نادياً رياضياً.

والأسوأ، في نظر الحرس القديم، أنهم باتوا يتدخلون في سير دواليب السلطة، ويتحكمون أحياناً في الوصول إلى الملك. فبحسب آخر الأخبار، أصبح عمر زعيتر هو من يرد على المكالمات الموجهة إلى الملك، ويقرر ما إذا كان سيزعجه أم لا وفقاً لحالته الصحية وتعبه. حتى الأمير مولاي رشيد ومولاي إسماعيل، شقيق الملك وابن عمه، قوطعا خلال لقاء مع محمد السادس من قبل أحد الإخوة زعيتر، الذي لم يتردد في إبلاغهما بأن «جلالة الملك» متعب ويجب أن ينسحب. جريمة «مساس بالهيبة الأميرية».

وتتداول أوساط القصر حكاية طريفة: ذات يوم فقد أبو بكر زعيتر كلبه الصغير بينما كان يتنزه به في حديقة بالرباط. لم يُعثر على الحيوان. وبموافقة ملكية، اتصل بعبد اللطيف الحموشي، المدير البارز للشرطة العامة ومدير الأمن الوطني والاستخبارات الداخلية (DGSN-DGST)، آمراً إياه بحشد رجاله للعثور على الكلب. وعلى مضض، اضطر المسؤول الأمني إلى التنفيذ.

لم يكن يلزم أكثر من ذلك كي يقرع حراس المخزن ناقوس الخطر عبر موقع هسبريس الإلكتروني. فقد حذّر الموقع، في يوليوز 2021، من «الأضرار» التي يسببها هؤلاء «الأشخاص المريبون» في «صعودهم إلى قمة السلطة»، واعتبرها «قنابل موقوتة ستنفجر في وجوههم عاجلاً أم آجلاً». وأضاف: «لا ينبغي أن يوجد أمراء آخرون غير أعضاء العائلة الملكية. على أبو [بكر] زعيتر أن يقرأ تاريخ راسبوتين».

لكن التحذيرات لم تجد صدى طالما صدرت عن منابر صحفية، مثل هسبريس أو برلمان، المرتبطة بالدولة العميقة القلقة من تغلغل هؤلاء «الراسبوتين» قرب العاهل. بدا محمد السادس غير مكترث بالإنذار، تاركاً أصدقاءه الجدد يستعرضون قربهم الملكي. أما الإخوة زعيتر، فشعروا بحماية كافية ليتقدموا بدعاوى تشهير ضد صحف ناقدة بشدة، بما فيها برلمان المقرب من الشرطة. وقد قبل وكيل الملك النظر في الشكاية. ومنذ ذلك الحين، لم يُعرف مصيرها، لكن الهجمات الإعلامية توقفت.

كبح الانحراف

غير أن مقال ذي إيكونوميست في 2023 منح هذه القضية صدى دولياً. كاتبه، نيكولا بيلام، كان مراسلاً دائماً في الرباط عند مطلع الألفية، وظل محتفظاً بمصادر بين النخبة المغربية. وليس من قبيل المصادفة أن بعض هؤلاء لفتوا انتباهه إلى الحاشية الجديدة للملك، كما لو كانوا يهمسون له بفكرة التحقيق.

وبمجرد أن انكشفت القضية أمام العالم، تغيّرت طبيعتها. فقد باتت سمعة الملكية في الخارج على المحك. وكان لا بد من كبح الانحراف بسرعة. وهكذا جاء «عودة الملك» في ربيع العام نفسه، أو على الأقل تكثيف إخراج أنشطته الرسمية، لا سيما بعد الزلزال المدمّر في شتنبر 2023، حين كان الملك، كعادته، في الخارج، وتأخر في التفاعل مع الكارثة.

ورغم أن محمد السادس أبقى الإخوة زعيتر في دائرته، فقد جرى محوهم تدريجياً من شبكات التواصل الاجتماعي. والتحق أصدقاء جدد بالمجموعة المرحة. أبرزهم يوسف قدور، عملاق وبطل MMA أيضاً، صار المقرّب الجديد للملك. أصله من مليلية، ويتبع الملك حيثما حل. يتميز بتكتم شديد، لم ينشر شيئاً قط على وسائل التواصل، ولم تُظهر عائلته أي علامة على الثراء. شوهد مطلع السنة، في عربة صغيرة ينقل الملك مرتدياً بذلة رياضية وذراعه في جبيرة، داخل مركز تجاري بأبوظبي.

ولمواجهة الشائعات والصورة السلبية، جرى الترويج للمشاهد العائلية كخطاب بديل، يبرز سلالة علوية متماسكة ومنظمة. وإلى جانب الأمير مولاي الحسن، في صعوده المحسوب بدقة، بدأت تبرز تدريجياً شقيقته، الأميرة للا خديجة، البالغة 18 عاماً. وقد لفتت الأنظار بجاذبيتها الرقيقة خلال العشاء الملكي على شرف إيمانويل ماكرون، في أواخر أكتوبر 2024 بالرباط.

Source: Le Monde, 25/08/2025

Visited 8 831 times, 3 visit(s) today