الجزائر : عندما قرر الشادلي بنجديد التقرب من الولايات المتحدة (تقرير للمخابرات الأمريكية، 1983)

الجزائر والولايات المتحدة: علاقة متغيرة
(تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية، 1983)

الاستنتاجات الرئيسية

تحت قيادة الرئيس الشاذلي بن جديد، قامت الجزائر بتعديل كبير في سياستها الخارجية لتتبع نهجًا أكثر انفتاحًا وإيجابية تجاه الولايات المتحدة. هدف بن جديد هو جني فوائد اقتصادية، وموازنة اعتماد الجزائر على الاتحاد السوفيتي في مجال التسليح، وتشجيع الولايات المتحدة على اتخاذ موقف أكثر توازنًا بشأن قضايا شمال إفريقيا. لقد أدت التغيرات الواسعة في السياسة الخارجية الجزائرية إلى تقارب في المصالح مع الولايات المتحدة يتيح تعاونا طويل الأمد

يعكس نهج بن جديد المعتدل ما يبدو أنه نضج في النظام الثوري الجزائري والمجتمع، ويظهر فهمًا أوسع من قبل القادة الجزائريين للأحداث خارج حدود البلاد

لقد وضعت انتخابات بن جديد عام 1979 حدًا للحقبة الراديكالية التي كانت تفصل بين الولايات المتحدة والجزائر. فقد قام بتنحية العناصر الراديكالية المتبقية من النظام السابق، واستبدلهم بقيادات تشاركه رؤيته البراغماتية. ورغم وجود بعض الصراعات على النفوذ بين أقرب مستشاريه، إلا أننا لا نرى أي مسؤول بارز يفضل العودة إلى الاشتراكية المؤيدة للسوفييت كما كان في النظام السابق. أما الحزب السياسي القانوني الوحيد، جبهة التحرير الوطني، الذي يُستخدم للحفاظ على الطابع الثوري للدولة، فإنه غالبًا ما يتخذ مواقف أكثر راديكالية تجاه الولايات المتحدة من الحكومة نفسها

تحاول القيادة الجزائرية إدخال قدر من المرونة التكتيكية في إطارها الأيديولوجي. فعلى الصعيد العملي، فإن بن جديد:

خفف من حدة الخطاب المناهض للغرب؛

يسعى تدريجياً إلى تنويع مصادر شراء الأسلحة؛

يعبر عن التزام أعمق بالاستقرار الإقليمي

وتنعكس عقلية بن جديد البراغماتية أيضًا في إعادة توجيه استراتيجية التنمية الجزائرية نحو الزراعة، والإسكان، والري، والصناعات الخفيفة، بعيدًا عن الصناعات الثقيلة. من المحتمل أن تستمر خطط التنمية الطموحة في الجزائر في توفير سوق جيد للمنتجات الأمريكية على المدى الطويل. وقد أشار المسؤولون الحكوميون إلى استعدادهم لزيادة الواردات الأمريكية، خاصة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والمنتجات الزراعية، لتقليص العجز التجاري الذي كان دائمًا لصالح الجزائر. وعلى الرغم من اهتمام القيادة الجزائرية بتوثيق العلاقات مع الولايات المتحدة، إلا أن أداء الاقتصاد الجزائري سيظل عاملًا مقيّدًا لمستوى الاستثمارات المحققة وفرص التجارة الناتجة

وعلى الرغم من وجود العديد من المصالح المشتركة، فإن تطوير العلاقات مع الولايات المتحدة سيواجه قيودًا بسبب الاختلافات السياسية التالية:

أعربت الجزائر عن استيائها المتزايد مما تراه تعاونًا عسكريًا مفرطًا بين الولايات المتحدة والمغرب؛

سيظل النزاع في الصحراء الغربية هو القضية الأكثر خلافًا بين الجزائر وواشنطن؛

إن اعتماد الجزائر على الاتحاد السوفيتي كمصدر رئيسي للسلاح سيُقيّد جهودها لتنويع مصادر الأسلحة بشكل كبير؛

لا تزال سمعة الجزائر كدولة ثورية راديكالية مستمرة من خلال الصحافة المحلية، وعلاقاتها السابقة مع الأنظمة العربية الراديكالية، والدعم الرمزي « الأخوي » الذي تقدمه لمجموعة واسعة من الحركات التقدمية في العالم الثالث، وكذلك للأحزاب الشيوعية والاشتراكية واليسارية في أوروبا الغربية وأمريكا اللاتينية وإفريقيا.

ستكون الجزائر حذرة وبراغماتية في جهودها لتعزيز علاقاتها مع واشنطن. وسيحدد نجاح بن جديد في إدماج الجزائر ضمن التيار العربي الرئيسي مدى دعم الجزائر للسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن الخلافات السياسية لن تمنع التعاون الاقتصادي والعسكري المتزايد مع الولايات المتحدة، إلا أنها ستشكل عائقًا معنويًا

الجزائر والولايات المتحدة: علاقة في طور التغيير

حتى سنوات قليلة مضت، كانت الجزائر تتبنى موقفًا سلبيًا ثابتًا نسبيًا تجاه الولايات المتحدة. فقد كانت تُنظر إليها على أنها قوة إمبريالية تستغل الدول الأقل تقدمًا اقتصاديًا وسياسيًا. وكان الجزائريون يُبدون شكوكًا عميقة حيال العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ويفسرون العديد من التحركات الأمريكية على أنها معادية للعرب والإسلام وغير قادرة على تحقيق تسوية عادلة في الشرق الأوسط. كما كان يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها غير حساسة، بل وعدائية، تجاه حركة عدم الانحياز، ومتحيزة لمنظور الحرب الباردة في تعاملها مع القضايا العالمية. أما في القضايا الإقليمية، فقد كانت تُعتبر منحازة للمغرب، وخاصة في النزاع حول الصحراء الغربية، وذلك على حساب الجزائر

ولم تبدأ هذه الصورة السلبية في التغير إلا منذ وصول الرئيس بن جديد إلى السلطة عام 1979. فقد ساهمت مشاركة الجزائر في التوسط في أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران في تعزيز التواصل بين المسؤولين الجزائريين والأمريكيين، وفهم مشاعر الرأي العام الأمريكي. كما ساعدت المساعدات الإنسانية التي أرسلتها الولايات المتحدة لضحايا زلزال الأصنام في أكتوبر 1980 في تحسين صورة الولايات المتحدة لدى العديد من الجزائريين، خصوصًا بالمقارنة مع الاستجابة السوفيتية التي بدت بطيئة وضعيفة

وقد شكّل موت الرئيس بومدين في ديسمبر 1978 — وهو رجل معروف بصلابته الأيديولوجية — لحظة طبيعية لبروز تعديلات كبيرة في السياسة الخارجية، بما في ذلك اتباع نهج أكثر انفتاحًا وإيجابية تجاه الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن مرحلة الخلافة شهدت مناورات مكثفة بين الأفراد والمدارس الفكرية، إلا أنها تمت بدون عنف، ووفق الإجراءات القانونية للتغيير في القيادة، مما أظهر للجزائريين أن الدولة دخلت مرحلة نضج في حقبة ما بعد الاستقلال. ومن وجهة نظرنا، فإن وصف الشاذلي بن جديد بـ »مرشح التوافق » — رغم صحته على مستوى معين — يُغفل حقيقة أن براغماتيته وابتعاده عن الأيديولوجيا تعكس تحولًا في النظرة الوطنية، وليس مجرد خصائص شخصية

يبدو أن هذا التحول في الموقف الجزائري يعكس نضجًا تدريجيًا وثابتًا لنظام ثوري بدأ يكتسب الثقة اللازمة للنظر إلى الأهداف الوطنية في إطار أوسع، وبدأ يبتعد عن الأيديولوجيا الجامدة والصدمة النفسية التي خلفتها حرب الاستقلال. ولا تزال هذه التركة تؤثر بشكل كبير على السياسة الخارجية الجزائرية، ولكن يبدو أن هناك مساحة متزايدة لاعتبارات ومبادئ أخرى. علاوة على ذلك، فإن تحوّل حركات الاستقلال في العالم الثالث خلال العقد الماضي إلى كيانات وطنية قد قلّل من أهمية الدور الثوري الذي كانت الجزائر تفخر به — كراعية لحركات التحرر. وبالرغم من أن قادة هذه الحركات لا يزالون يمرون رمزيًا عبر الجزائر، إلا أن القليل منهم — باستثناء جبهة البوليساريو ومنظمة التحرير الفلسطينية — يحظون بتعاطف فعلي لدى الجزائريين

لقد كان للتغييرات في المعادلة العربية-الإسرائيلية تأثير كبير على نظرة الجزائر

للسياسة الخارجية وفهمها لدور الولايات المتحدة في المنطقة. إن عدم جدوى الإرهاب كأداة بيد منظمة التحرير الفلسطينية — على الأقل من وجهة نظر الجزائر — واستقطاب العالم العربي إلى معسكرات متنافسة، تتصدرها ليبيا واليمن الجنوبي من الجانب الراديكالي، بالإضافة إلى تراجع صورة الاتحاد السوفيتي كمدافع عن المصالح العربية، كلها عوامل نعتقد أنها دفعت الجزائر إلى إعادة النظر في مكانتها ضمن التوازنات العربية والدولية

كما أن تركيز الجزائر على الاقتصاد جعلها تنظر إلى الولايات المتحدة كمصدر للتكنولوجيا والخبرة التي تحتاجها، وكسوق مهم لصادراتها من المحروقات. وقد ساهمت العلاقة الوثيقة التي نشأت بين البيروقراطية الجزائرية وشركات الغاز الأمريكية، في رأينا، في تعديل المواقف الجزائرية تجاه الولايات المتحدة والأمريكيين. فقد عاش في الجزائر ما يقارب 2000 أمريكي ممن عملوا في مشاريع متعلقة بالغاز خلال السنوات العشرين الماضية. ويبدو أن استغلال الموارد الطاقوية والحاجة إلى التكنولوجيا المتقدمة دفع الجزائريين إلى إعادة تقييم بعض مواقفهم الأخلاقية تجاه « القوى الاستعمارية » والإمبريالية الغربية، مما أضفى بعض التدرج على تفكير سياسي كان من قبل مبنيًّا على الأبيض والأسود فقط

رؤية جديدة من قادة جدد

إن وفاة الرئيس هواري بومدين قد شكلت نهاية الحقبة الراديكالية التي فرّقت بين الجزائر والولايات المتحدة. وقد شكل انتخاب الشاذلي بن جديد عام 1979، بعد صراع داخلي محتدم حول مسألة الخلافة، إشارة إلى قرار المؤسسة العسكرية بتوجيه السياسات الجزائرية نحو نهج أكثر اعتدالًا. وقد نال بن جديد قدراً كبيراً من الولاء من القادة العسكريين الذين أوصلوه إلى السلطة

وخلال فترة حكمه التي امتدت لأربع سنوات، قام بتطهير النظام من العديد من بقايا عهد بومدين الراديكاليين، الذين كانوا يرفضون تقوية العلاقات مع الولايات المتحدة. وقد تم تحييد أو إقصاء شخصيات ثورية متشددة مثل محمد صالح يحياوي ووزير الخارجية السابق عبد العزيز بوتفليقة — اللذين كانا يُعتبران من المنافسين السياسيين الجادين. وقد أدى مصرع وزير الخارجية بن يحيى في حادث طائرة في أبريل 1982، والذي كان يُعد آخر المستشارين المؤثرين ذوي التوجه اليساري القوي، إلى تعيين وزير خارجية معتدل ومؤيد للغرب هو أحمد طالب الإبراهيمي، والذي لعب دورًا بارزًا في توجيه المبادرات الجزائرية في السياسة الخارجية، خصوصًا تلك المتعلقة بالولايات المتحدة وقضايا الشرق الأوسط

ورغم استمرار الخلافات داخل القيادة، ووجود منافسات محتملة على السلطة حول بن جديد، لم نتمكن من تحديد أي مسؤول جزائري رفيع يدعو بجدية إلى العودة إلى الاشتراكية الموالية للاتحاد السوفيتي التي كانت سائدة في عهد بومدين

مع ذلك، فإن بن جديد ومستشاريه لا يتمتعون بحرية كاملة للتخلي عن السياسات الراديكالية السابقة. فالثورة وأيديولوجيتها ما زالتا تشكلان الأساس لشرعية النظام. ونعتقد أن بن جديد، رغم أنه لا يواجه معارضة سياسية جادة، إلا أنه هو وزملاؤه لا يرغبون في المساس بجوهر الإرث الثوري الجزائري. فالحزب السياسي الوحيد في البلاد، جبهة التحرير الوطني (FLN)، لا يزال يمثل رمزًا للشعب الجزائري وأداة فعالة يستخدمها المسؤولون في الدولة لحشد الدعم الشعبي. وتستخدم الحكومة هذا الحزب للحفاظ على الشرعية الثورية، خصوصًا في القضايا المتعلقة بالوطنية ومناهضة الاستعمار وحق تقرير المصير. وبالتالي، غالبًا ما تكون مواقف الحزب تجاه الولايات المتحدة أكثر تشددًا من مواقف الحكومة

ونعتقد أنه على مستويات أدنى داخل الحزب والبيروقراطية والجيش، هناك أشخاص لا تزال ولاءاتهم وانتماءاتهم الفكرية متجذرة في قيادة العهد السابق. وهؤلاء قد يوجّهون انتقادات لبن جديد بسبب سعيه إلى تقارب أكبر مع الولايات المتحدة، وقد يعملون داخل دوائرهم للتشويش على سياساته. كما أن القلق الذي عبر عنه بعض المسؤولين الجزائريين مؤخرًا حول تنامي جاذبية التيار الإسلامي المتشدد، يدل على احتمال بروز معارضة من نوع جديد للعلاقة الودية مع الولايات المتحدة وللنهج الحديث والبراغماتي الذي يتبناه بن جديد. ومع ذلك، نعتقد أن بن جديد وزملاءه يملكون ما يكفي من السيطرة والدعم الشعبي لمواصلة مسارهم الحالي

إعادة توجيه الاقتصاد الجزائري تعكس أيضًا الطابع البراغماتي لبن جديد

ووفقًا لتقارير السفارة، فقد أدرك خلفاء بومدين بعد وفاته عام 1978 بفترة وجيزة، أن بعض المبادئ الاشتراكية التي تم إدخالها في السابق قد فشلت. إذ واجه القطاع الصناعي المتنامي مشاكل كبيرة، وكانت تقنيات الإدارة الحديثة مثل ضبط المخزون، وجدولة الإنتاج، والتوزيع تُدار بشكل سيء. وغالبًا ما كانت التكنولوجيا المطلوبة تتجاوز قدرات اليد العاملة المحلية، مما أدى إلى اعتماد كبير على الفنيين الأجانب، واستمرار الاعتماد على فرنسا كمخرج لفائض اليد العاملة الجزائرية. كما ثبت أن التخطيط المركزي غير فعال في مواءمة الإنتاج مع الطلب، مما جعل ناتج المنشآت الصناعية الضخمة لا يلبي حاجات الشعب

وعلى الرغم من أن بن جديد لم ينفذ برامج جديدة بالسرعة التي كان يطمح إليها بعض الجزائريين، إلا أن السياسات التي أصبحت سارية المفعول بدأت تدريجياً في تحسين الإنتاجية والكفاءة، وأضفت طابعًا أكثر واقعية على استراتيجية التنمية في الجزائر. ولا تزال الجزائر متمسكة بقوة بالاشتراكية، إلا أن استراتيجية التنمية بدأت تأخذ منحى جديدًا في إطار خطة تنمية خماسية تبلغ قيمتها 104 مليارات دولار (1980-1984). وتُظهر هذه الخطة رغبة في التخلي عن النظام القديم القائم على السيطرة المركزية الذي كان يفضله بومدين. كما تشجع على مشاركة القطاع الخاص، وتخفف القيود على الاستثمارات الأجنبية، وتعمل على تفكيك البيروقراطية الضخمة التي تدير الشركات الحكومية. وتم نقل التركيز من الصناعة الثقيلة إلى الصناعة الخفيفة. ويشدد مخطط الاستثمار السنوي لسنة 1983 على استكمال المشاريع التي بدأت سابقًا، وإطلاق مشاريع جديدة في قطاعات ذات أولوية مثل البنية التحتية، والسكن، والزراعة

توجهات جديدة في السياسة الخارجية

بدأت تغييرات كبيرة في السياسة الخارجية تُظهر الجزائر بصورة أقل تطرفًا وتصادمًا، وكشفت عن مجالات محتملة للمصالح المشتركة مع الولايات المتحدة. كان التحول الأبرز في عهد الشاذلي بن جديد هو اتخاذ موقف أكثر فاعلية وتعاونًا في تعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط. لقد أدركت الجزائر أن التوترات الإقليمية، وخاصة الصراع العربي الإسرائيلي، كانت قوة مدمّرة تستنزف طاقات وسخاء العديد من الدول العربية. وفي السياق العربي العام، اتخذ بن جديد عدة خطوات لتقليل التوترات. منها:

التخلي عن جبهة الصمود الراديكالية — التي كانت تضم سوريا، ليبيا، جنوب اليمن، ومنظمة التحرير الفلسطينية — والتي تأسست لمعارضة مبادرة السلام التي أطلقها الرئيس المصري أنور السادات عام 1977

الانضمام إلى الدول العربية المعتدلة في دعم مقترحات السلام الصادرة عن قمة فاس، والاعتراف بالعناصر الإيجابية في مبادرة الرئيس ريغان في الخريف الماضي.

قبول حوالي 2000 مقاتل فلسطيني في الصيف الماضي للمساعدة في تهدئة الأزمة اللبنانية الإسرائيلية. وتُظهر وعود الجزائر بمزيد من الدعم وقرارها استضافة اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني استعدادها للعب دور مهم في القضية الفلسطينية.

اتخاذ خطوات للوساطة في الحرب الإيرانية العراقية، مما يعزز دور الجزائر كوسيط محايد

اتخاذ قرار بعدم التساهل مع الإرهاب كأداة سياسية مشروعة، وعدم السماح بهبوط الطائرات المخطوفة، إلا بطلب من منظمة دولية.

رغم أن الجزائر لم تنضم كليًا إلى المعسكر العربي المعتدل، ولم تقدم دعمًا غير مشروط للجهود التفاوضية الأمريكية، فإن تغير موقفها يُعد دراماتيكيًا مقارنة بالسنوات السابقة. وقد ساهمت عدة عوامل في هذا التغيير، ربما أبرزها خيبة الأمل من نتائج التطبيق الصارم للراديكالية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والرغبة في إعادة توجيه الطاقات والموارد الوطنية. لقد كانت الجزائر تأثيرًا بعيدًا وفعالية محدودة في العالم العربي، لكنها تأثرت كثيرًا بنتائج الاضطرابات الإقليمية. ويبدو أن احتمال تحقيق تعاون اقتصادي أكثر إنتاجية مع جيرانها، وتقليل المخاوف من التدخل الخارجي، وتخفيف الغليان السياسي الذي يولّد التطرف الديني والتخريب السياسي، يدفع الجزائر لتولي دور أكثر اعتدالًا ونشاطًا في المنطقة

الدليل الأوضح على تغيير السياسة هو الخطوات التي اتخذتها الجزائر خلال العام الماضي لتطبيع علاقاتها مع جيرانها في شمال إفريقيا. أسفرت جهود بن جديد عن فتح محدود للحدود مع المغرب، وتسوية نزاع حدودي قديم مع تونس، واستئناف الحوار مع ليبيا. وقد التقى بن جديد بالملك الحسن الثاني ملك المغرب، والرئيس التونسي بورقيبة، وجلود من ليبيا، ومع كل منهم دعا بقوة إلى تعزيز التعاون المغاربي والوحدة السياسية. وتُعدّ عملية تطبيع العلاقات مع المغرب حجر الزاوية في خطة بن جديد الأشمل. وسيتطلب النجاح أن يتوصل الجانبان إلى تسوية في نزاع الصحراء الغربية

تأتي جهود التقارب مع المغرب بدافع من الاحتياجات الاقتصادية والسياسية لبن جديد، أكثر من كونها نتيجة تغيير في موقف الجزائر أو المغرب من قضية الصحراء الغربية. كانت الدولتان قد قطعتا علاقاتهما الدبلوماسية في عام 1976 بسبب هذا النزاع. وما إذا كان بن جديد والحسن سيحلان النزاع أو ببساطة سيتجاوزانه، يعتمد إلى حد كبير على مدى استعدادهما لتقديم تنازلات بشأن السيادة على أجزاء من أراضي الصحراء. حتى الآن، لا يبدو أن أياً منهما مستعد لتقديم تنازلات كبيرة، رغم وجود صيغ تفاوضية جديدة قيد الدراسة الجدية

تشير مبادرات بن جديد إلى أنه لا يرغب في أن يُشكل ملف الصحراء الغربية عقبة أمام التعاون الإقليمي. ونعتقد أن تسوية النزاع ليست وشيكة بعد. ويظل احتمال تجدد القتال واردًا دائمًا، لكنه غير مرجّح في هذه المرحلة. يبدو أن بن جديد والحسن قد توصلا إلى تفاهم ضمني مفاده أن الوضع القائم — اشتباكات محدودة وسيطرة مشتركة على الأرض بين المغرب والبوليساريو — مقبول، وأن المحادثات المتجددة قد تكشف عن مجالات محتملة للتسوية. وإن لم يتحقق حلّ، فإن مسار التفاوض يتيح على الأقل للبلدين المضي قدمًا في العلاقات الثنائية

في رأينا، فإن سياسة حسن الجوار التي يتبناها بن جديد تسعى أيضًا إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الأخرى، منها:

تقديم الدعم وممارسة النفوذ في تونس تحسبًا لما قد يكون مرحلة انتقالية مضطربة بعد رحيل الرئيس بورقيبة. ويبدو أن الجزائرين قلقون بشكل خاص من أن تتزايد التدخلات الليبية في السياسة التونسية عندما تضعف قبضة بورقيبة على الحكم.

إعادة بناء علاقة أوثق مع القذافي والليبيين، بهدف احتواء تحركاتهم المزعزعة، وفهم المشهد الليبي الراهن للعمل على إيجاد بديل أكثر اعتدالًا للقذافي

تنسيق التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف في المنطقة لتفادي فرص التدخل من القوى العظمى. إن التقارب المتزايد بين المغرب والولايات المتحدة، واعتماد ليبيا المتنامي على الدعم من الاتحاد السوفيتي وحلفائه، يثيران قلق الجزائريين الذين يرغبون في الحفاظ على حياد نسبي لشمال إفريقيا في التوترات بين الشرق والغرب.

تحقيق إنجازات اقتصادية وسياسية ملموسة تُمكّن الجزائر من تأكيد قيادتها في المنطقة — وهو هدف لم يتحقق خلال فترة حكم بومدين

القيود السياسية

ستستمر الخلافات الأيديولوجية والسياسات الإقليمية في تقييد العلاقات بين الجزائر وواشنطن. تتسم السياسة الخارجية الجزائرية بتناقضات كثيرة قد تجعل من الصعب على القيادة اتباع نهج ثابت أو متماسك تجاه الولايات المتحدة. لا تزال الجزائر، بعد مرور عشرين عاماً على الاستقلال، تكافح من أجل بناء هويتها والتوفيق بين القيم التقليدية والإسلامية والعربية، من جهة، والقيم الحديثة والغربية والبراغماتية، من جهة أخرى. ويصعب التعايش بين الاعتدال والبراغماتية من جهة، والماضي الثوري من جهة أخرى. برأينا، فإن تطوير سياسة خارجية تأخذ في الحسبان هذه القوى المتعارضة هو من أبرز أولويات الجزائر، وغالباً ما يؤدي إلى سياسة تبدو متقلبة وغير متسقة

ومن بين القضايا التي من المرجح أن تعيق تحسين العلاقات، تبرز المخاوف الجزائرية من « محاباة » الولايات المتحدة للمغرب. فالمغرب هو الخصم التاريخي للجزائر في المنطقة، ويُعد التهديد الاستراتيجي الأساسي لها. ويؤكد المسؤولون الجزائريون أن حكومة بن جديد حساسة بشكل خاص لما تعتبره تعاوناً عسكرياً مفرطاً بين الولايات المتحدة والمغرب. علاوة على ذلك، ترى الجزائر أن الدعم الأمريكي للمغرب يُمثل تدخلاً غير مرغوب فيه من قوة عظمى في قضايا إقليمية، ويشجع على تصلب الموقف المغربي في نزاع الصحراء الغربية. وترفض الجزائر حث جبهة البوليساريو على ضبط النفس وتقديم تنازلات طالما لم تطلب واشنطن الشيء ذاته من الرباط

ستظل الحرب في الصحراء الغربية أكثر القضايا جدلاً بين الجزائر وواشنطن. إن دعم الجزائر للبوليساريو يتجاوز مجرد دعم مبدئي لثورة، بل هو مرتبط بمصالح أعمق، منها الحفاظ على السيطرة على هذه الحركة المسلحة. وأي تغيير في هذا الدعم سيزيد من صعوبة السيطرة على المساعدات القادمة من ليبيا ومصادر خارجية أخرى مثل كوبا والاتحاد السوفيتي. كما أننا لا نعتقد أن بن جديد مستعد لرؤية المغرب يوسع حجمه وموارده وهيبته من خلال ضم كامل للصحراء. برأينا، من غير المرجح أن تغير الجزائر موقفها من هذه المسألة الأساسية في المستقبل القريب. ويستند دعم الجزائر لاستفتاء ترعاه منظمة الوحدة الإفريقية، وتشجيعها لمبادرات تفاوضية أخرى مثل دولة كونفدرالية، وترويج بن جديد لتعزيز التعاون المغاربي إلى اعتقادها بأن المغرب سيُجبر في نهاية المطاف على التوصل إلى تسوية بشأن الصحراء

علاقة الجزائر بالاتحاد السوفيتي لا يُتوقع أن تعرقل تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة. بل إن رغبة الجزائر في تقليل اعتمادها على المعدات العسكرية السوفيتية ساهمت في تحفيز اهتمامها بالتعاون مع الولايات المتحدة. إلا أن الكثير من المعدات العسكرية المتقدمة لدى الجزائر لا يزال حديثاً نسبياً، وستواصل الجزائر التعامل عن كثب مع موسكو لضمان بقاء هذه الترسانة صالحة للعمل. وهذه التبعية، برأينا، ستحد من الانتقادات العلنية لموسكو، مما يعزز الانطباع بأن الجزائر تابعة لها. في الواقع، الجزائر تعاونت أحياناً مع الاتحاد السوفيتي، لكنها لم تكن يوماً تابعة له، وهي تبتعد عنه تدريجياً في عدة قضايا، منها:

غيّرت الجزائر موقفها جذرياً عندما امتنعت عن التصويت على قرار الأمم المتحدة الذي يدين الغزو السوفيتي لأفغانستان، وأعربت عن استيائها في الخفاء

بذلت الجزائر جهوداً كبيرة للحد من محاولات كوبا فرض الطابع السوفيتي على حركة عدم الانحياز.

أعربت القيادة الجزائرية عن استيائها من الأنشطة الكوبية والسوفيتية في إفريقيا، وشعرت بخيبة أمل إزاء رفض موسكو الاعتراف بحكومة البوليساريو.

وفي سعيها للحصول على موردين جدد للسلاح، ترى الجزائر أن أوروبا الغربية أكثر جاذبية من الولايات المتحدة، لأسباب عملية وأيديولوجية. ويبدو أن إقامة علاقة عسكرية واقتصادية أوثق مع أوروبا الغربية ستكون أقل تعقيداً، وتُسبب تداعيات سياسية أقل مقارنة بعلاقة مماثلة مع الولايات المتحدة. كما أن وصول حكومات اشتراكية جديدة إلى الحكم في فرنسا واليونان وإسبانيا عزز الشعور بوجود هدف مشترك، وشجع الجزائر على الترويج لفكرة “بحر متوسط اشتراكي” موحد ومتماسك. وفي أوروبا الغربية، تستطيع الجزائر التعامل مع شركات وطنية مماثلة لتلك الموجودة لديها، بينما في الولايات المتحدة، يتعين عليها التعامل مع شركات خاصة لا تضمن الحكومة الأمريكية عقودها. لذلك، من المرجح حالياً أن تبرم الجزائر صفقات كبيرة مع البريطانيين والفرنسيين والإيطاليين والبلجيكيين بدلاً من الولايات المتحدة

لقد أدى دعم الجزائر لمجموعة متنوعة من الحركات التقدمية والأحزاب و”الجبهات” في العالم الثالث إلى توتر العلاقات مع واشنطن في العديد من الأحيان. وقد احتجت الولايات المتحدة بشدة على ما يُزعم أنه تورط جزائري في تمرير أسلحة سوفيتية إلى نيكاراغوا عبر الجزائر في الربيع الماضي، خاصة بعد عملية تمرير حدثت رغم تأكيدات جزائرية بأن مثل هذه الأنشطة ستتوقف.

ونعتقد أن الدعم الملموس الذي تقدمه الجزائر لهذه الجماعات سيبقى محدوداً وفي الغالب رمزياً. وتسمح الجزائر للعديد من حركات التحرر بالحفاظ على مكاتب لها في الجزائر تحت رعاية لجنة العلاقات الدولية التابعة لحزب جبهة التحرير الوطني. كما قدمت بعض الدعم المالي للأحزاب الشيوعية والاشتراكية واليسارية في أوروبا الغربية وأمريكا اللاتينية وإفريقيا، وساعدت في تنظيم وتدريب القوات العسكرية والأمنية في بعض الدول الإفريقية. ومع ذلك، فإن الجزائر تتجنب بحذر التورط في أي أنشطة تخريبية تقوم بها هذه الجماعات

العوائق الاقتصادية

على الرغم من اهتمام الحكومة بتطوير العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة، فإن أداء الاقتصاد سيحد من فرص الاستثمار والتجارة. وهذه المسألة ذات أهمية خاصة في الجزائر لأن اقتصادها يعتمد بشكل كبير على قطاع واحد فقط — وهو قطاع المحروقات — الذي لم يُظهر السوق العالمية فيه قوة في الآونة الأخيرة.

حتى الآن، تمكنت الجزائر من الصمود في وجه فائض النفط العالمي. فرغم أن إنتاج النفط الخام بلغ في المتوسط 700,000 برميل يوميًا فقط في عام 1982 — أي حوالي نصف المستوى السابق — فإن زيادة مبيعات المنتجات البترولية والغاز الطبيعي خففت من النقص في الإيرادات. وقد زاد إنتاج المكثفات بنسبة 30٪ في عام 1982، في حين ارتفع الغاز الطبيعي المسوق بحوالي 50٪. ونتيجة لذلك، تمكنت الجزائر من الحفاظ على عائدات تصدير بلغت 12 مليار دولار في عام 1982، مما ساعدها على الإبقاء على فائضها التجاري

سوف تواجه الجزائر مشاكل اقتصادية أكثر خطورة إذا انخفضت أسعار النفط بشكل حاد. فإن سعر 25 دولارًا للبرميل قد يرفع العجز المتوقع في الحساب الجاري لعام 1983 إلى 4.9 مليار دولار، بافتراض بقاء مستويات إنتاج المحروقات كما في عام 1982. وقد أبلغت الحكومة الجزائرية المسؤولين الماليين والتجاريين والحكوميين الأجانب أنها ستقوم بخفض الواردات في عام 1983 بنسبة تعادل الانخفاض في إيرادات تصدير المحروقات، ما يعني تأجيل الاستثمارات في مشاريع التنمية وتوفير عدد أقل من السلع الاستهلاكية. ويمكن للجزائر أيضًا اللجوء إلى الاقتراض من الأسواق الدولية، لكنها كانت مترددة في القيام بذلك في السنوات الأخيرة

وقد تمكنت الجزائر منذ عام 1979 من الحد من اقتراضها من سوق رأس المال الدولية، من خلال الاعتماد على خطوط ائتمان غير مستخدمة والسحب من احتياطيات النقد الأجنبي. إلا أن هذه الفترة التي استمرت ثلاث سنوات ونصف انتهت في أبريل 1983، عندما بدأت الجزائر تسعى للحصول على قرض من اليورو ماركت بقيمة 500 مليون دولار لتمويل مشاريع رأسمالية تخص الشركة الوطنية للبترول. وقد لقي هذا القرض استجابة إيجابية جدًا من البنوك الدولية، وكانت الشروط الممنوحة — نصف نقطة مئوية فوق سعر الليبور مبدئيًا — تعكس الإدارة المالية الحذرة للجزائر. واعتبارًا من مارس 1983، بلغت احتياطيات الجزائر من النقد الأجنبي (باستثناء الذهب) حوالي 2.1 مليار دولار — وهو ما يكفي لتغطية ما يقارب شهرين ونصف من الواردات. وتُضاف إلى هذه الاحتياطيات موجودات من الذهب بلغت قيمتها 2.3 مليار دولار بنهاية مارس

ما دامت سوق النفط لا تتدهور بشكل حاد، فإن أمام الولايات المتحدة فرصة لزيادة حصتها في السوق وتعزيز صادراتها إلى الجزائر. وقد عبّرت الحكومة الجزائرية عن اهتمامها بزيادة الواردات من الولايات المتحدة وتحقيق توازن في الميزان التجاري، الذي كان دومًا يميل لصالح الجزائر. وبما أن الولايات المتحدة تمتلك حصة صغيرة جدًا من السوق الجزائرية، فإن هناك مجالًا واسعًا لزيادة المبيعات قبل أن يصبح الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة مصدر قلق. حاليًا، تمتلك الولايات المتحدة 52٪ من سوق الحبوب العالمية، لكنها لا تزود سوى حوالي 30٪ من واردات الجزائر من الحبوب. وتشير تقارير السفارة إلى أن إحجام الولايات المتحدة عن الدخول في اتفاقيات طويلة الأجل لتوريد الحبوب قد أدى إلى تراجع حصتها في السوق الجزائرية. وتسعى الحكومة الجزائرية إلى مشاركة أمريكية في برامج تعاونية تهدف إلى تنمية الموارد البشرية وتحقيق نقل حقيقي للتكنولوجيا، ولا ترغب في أن تكون مجرد سوق لبيع الحبوب

على الرغم من الضعف في سوق النفط، فقد زادت العلاقات الجزائرية مع الشركات الأمريكية في العام الماضي، لا سيما منذ زيارة بعثة تجارية واستثمارية برئاسة وزير التجارة الأمريكي إلى الجزائر في ديسمبر الماضي. تم منح الجزائر الأهلية لشراء خدمات الدفاع من مبيعات الأسلحة الأمريكية، كما يُنظر الآن في إنشاء لجنة اقتصادية مشتركة أمريكية جزائرية. من المتوقع أن يعزز كلا التطورين آفاق التجارة الأمريكية. ستحدد ظروف سوق النفط والغاز، وكذلك التمويل التنافسي، ونتائج المفاوضات بشأن عقود الغاز الطبيعي الحالية بين الولايات المتحدة والجزائر، ما إذا كان هذا الاهتمام بالتعاون الاقتصادي المتزايد سيؤدي إلى عقود جديدة وحصة سوقية أكبر للولايات المتحدة في الجزائر

التوقعات

هناك فرصة ضئيلة أن تعود السياسة الخارجية للجزائر في عهد بن جديد إلى الموقف الراديكالي لعصر بومدين. مثل بعض الدول العربية الأخرى، من المحتمل أن الجزائر ترغب في جني الفوائد التي غالبًا ما ترافق العلاقات الأقوى مع الولايات المتحدة، مثل فرص التدريب والتعليم والشروط المالية المواتية. من المحتمل أن يدرك بن جديد أن مصداقية الجزائر غير المنحازة أو العربية لن تتضرر بشكل كبير من تعزيز الروابط القوية والمفتوحة مع الولايات المتحدة. على الرغم من الفوائد التي قد تراها الجزائر في تعزيز الروابط مع واشنطن، نعتقد أن الحكومة الجزائرية ستستمر في نهجها الحذر تجاه تطوير هذه الروابط وقد تكون أحيانًا صريحة جدًا في انتقادها للسياسات الأمريكية

لقد جلب عدد من المصالح المشتركة الأهداف الجزائرية إلى اقتراب أكبر من تلك الخاصة بالولايات المتحدة وساهم في تعزيز التعاون. من بين هذه المصالح رغبة الجزائر المتزايدة في الاستقرار الإقليمي — في أوسع سياق وفي شمال إفريقيا — والقلق بشأن المخاطر المحتملة للإسلامية المتطرفة غير المقيدة، وكذلك التقدير للروابط في الاقتصاد العالمي ورغبتها في استقراره. على الرغم من أن استراتيجيات الجزائر لتحقيق هذه المصالح قد لا تكون متوافقة بالضرورة مع استراتيجيات الولايات المتحدة، إلا أن التقاء المصالح هذا يعد فريدًا في تاريخ العلاقات بين البلدين ويبدو أنه مستدام في المستقبل المنظور. ستظل الاستراتيجيات المتباينة والشكوك المستمرة عقبات أمام التحسن السريع في العلاقات الثنائية، وبالاشتراك مع التطورات السلبية في المنطقة، قد تعيق الحوار الحالي

سيأتي دعم الجزائر للسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط بشكل بطيء وسيعتمد بدرجة كبيرة على قدرة الجزائر على الانضمام إلى التيار الرئيسي العربي. من المحتمل أن يشجع اهتمام بن جديد بتعزيز الجزائر كمساهم مهم في الاستقرار الإقليمي الجزائرين على السعي لإيجاد حل وسط مع أشقائهم العرب الراديكاليين والمعتدلين. ستكون جهود الجزائر موجهة بشكل أساسي إلى الحد من ما تراه قوى مدمرة أو مفرقة في العالم العربي.

الجزائر هي دولة أكثر اهتمامًا بالتنمية الاقتصادية، والشؤون الإقليمية، وعدم الانحياز، من اهتمامها بقضايا الشرق والغرب. من المرجح أن يفضل بن جديد دور « الوسيط المحايد » في القضايا العربية على أن يتخذ جانبًا في الصراعات بين الشرق والغرب. لقد اكتسبت الجزائر مصداقية في دورها كوسيط فعال بين الدول العربية المعتدلة والراديكالية بفضل الزيارة غير المسبوقة للملك السعودي فهد إلى الجزائر في نهاية العام الماضي لمناقشة القضايا الإقليمية

نعتقد أن السوق النفطي الضعيف الحالي سيحد من إيرادات الجزائر وبالتالي من طلبها على السلع والخدمات المستوردة حتى عام 1983 على الأقل. ومع ذلك، فإن الموارد الطاقوية الكبيرة للجزائر وخططها الطموحة للتنمية تجعلها على الأرجح سوقًا جيدًا للمنتجات الأمريكية على المدى الطويل. على الرغم من أن الشركات الأمريكية يجب أن تنافس الشركات الأوروبية الأقرب جغرافيًا، فإن العلاقات السياسية الأكثر دفئًا بين الجزائر والولايات المتحدة، إلى جانب رغبة الجزائر في الحفاظ على استقلالها عن أي مورّد واحد لأي سلعة واحترام الجزائر للخبرة التقنية الأمريكية، قد تؤدي إلى زيادة المبيعات الأمريكية إلى الجزائر. الزراعة والبناء وتطوير الغاز الطبيعي هي آفاق جيدة بشكل خاص نظرًا للأهمية التي يوليها النظام الحالي لهذه المجالات. منذ ديسمبر الماضي، اجتمعت عدة شركات أمريكية مع مسؤولين جزائريين بشأن عقود محتملة في هذه المجالات. لن تمنع الاختلافات السياسية زيادة الروابط التجارية ولكنها ستكون رادعًا

من وجهة نظر الجزائر، فإن توفير المواد والمساعدة التدريبية من الولايات المتحدة سيمنح توازنًا أفضل ليس فقط لعلاقاتها مع القوى العظمى ولكن أيضًا لعلاقات واشنطن مع الجزائر والمغرب. ومع ذلك، لأسباب سياسية واقتصادية، من المحتمل أن تقتصر مشتريات الجزائر العسكرية من الولايات المتحدة في السنوات القادمة على المركبات العسكرية الصغيرة وبعض المعدات الأخرى صغيرة الحجم

الجزائر #الولاياتالمتحدة #الولاياتالمتحدة #المغرب #الصحراءالغربية #عدم الانحياز #الاتحادالسوفياتي#

Visited 20 times, 1 visit(s) today

Be the first to comment on "الجزائر : عندما قرر الشادلي بنجديد التقرب من الولايات المتحدة (تقرير للمخابرات الأمريكية، 1983)"

Leave a comment

Your email address will not be published.


*