عندما تكون من المستضعفين في الأرض فإنك تصبح حساس جداً رغماً عنك، حسّاس تجاه الظلم الذي تعرضت له. وبما أن الإنسان لا يستطيع اختيار مكان مولده ولا أصله، فإننا نحن الصحراويين نولد وشعبنا مشتت بين كتلتين رئيسيتين (مخيمات اللاجئين والأراضي المحتلة). نعيش قضية شعبنا رغماً عنا لأننا نولد ونترعرع في خضمِّها ومن الطبيعي أن تتحول في نفسياتنا إلى أكثر الأوتار حساسيةً، فتصبح هي أساس الصداقة والعداوة مع الآخر وهو شعور ربما يفهمه أكثر أصحاب القضايا مثلنا، أي الذين لا زالت شعوبهم ترزخ تحت وطأة الاستعمار، لكنهم الآن قليلون جداً لأن معظم شعوب العالم قد تجاوزت هذه المرحلة من حياتها مطلع الخمسينات والستينات وحتى السبعينات من القرن الماضي، أما نحن فلا زلنا نعيش في تلك المرحلة التي تُعدُّ الحرية فيها أقدس المطالب؛ تتقدم حتى على الخبز والعمل وبقية الحقوق الاجتماعية رغم شرعية وقدسية تلك المطالب في مرحلة ما بعد التحرر.
عندما أقول أننا نتأثر وحساسون جداً تجاه هذه القضية فذلك يعني أن مَنْ تضامن معنا تجدنا نجعله قديساً، فنبجّله ونرى أنه يجسد أرفع قيم الإنسانية وأروع معانيها فنُقرِّبه إلينا حتى يصبح أقرب من حبل الوريد، بل أقرب من أهلنا وأحبتنا. في المقابل، تجدنا نُخاصم ونغضب ونشعر بقمة السوء والحنق عندما يسيء الآخر لنا، خاصةً في وترنا الحساس هذا، فقد ضربنا في مقتل. فنتجنَّد ونتادى جميعناً دون إشارةٍ أو ايعازٍ من أي كان للدفاع عن القضية التي نعتبرها أقدس المقدسات لدينا.
ولم تمنعنا يوماً قلة الحيلة من الدفاع بكل السبل، وقد فتحت وسائل التواصل الاجتماعي لنا ساحةً كانت حتى الأمس القريب ممنوعة علينا. وأقصد هنا الاتصال بشكلٍ مباشر بقادة الرأي من مشاهير مختلف المجالات كالصحافة وغيرها بغرض توضيح وجهة نظرنا إن أساءوا لنا بقصدٍ أو بغير قصد. ومن أمثلة ذلك؛ ما حدث قبل أيام مع المعلق الرياضي الجزائري، حفيظ دراجي، الذي قال مُعلقاً في إحدى مباريات كأس أفريقيا أن لموريتانيا حدوداً مع المغرب متجاهلاً وجود الصحراء الغربية بينهما، ليتحرك فينا الشعور بالإهانة حتى وصل الأمر للمعلق الرياضي ووضّح أن الأمر لم يكن مقصوداً. الأمر ذاته حدث يوم أمس مع الصحفي اللبناني، سامي كليب، الذي نشر تدوينة في صفحته على فيسبوك مفادها أن حفل تنصيب الرئيس الموريتاني المنتخب لم يحضره أي رئيسٍ عربي متجاهلاٍ وجود الرئيس الصحراوي. وبعد مرور ساعاتٍ من نشرها، تداول الصحراويون بكثرة تلك التدوينة وربما تم الاتصال به فقام بحذفها من حسابه. مثل هذه الاتصالات لم تكن ممكنة في السابق لكنها اليوم متاحة لنا بفضل وسائل التواصل الاجتماعي.
وانطلاقاً من ذلك وبشكل لا شعوري ورغماً عنا نجد أنفسنا نُعادي ونحب في القضية. هذا باختصار ما أردت البوح به.