عندما بدأت مزاولة العمل الصحفي سألت الصديق إريك مارغوليس، أستاذ الفلسفة في جامعة كولومبيا في نيويورك، وكان وقتها مراسلا لمجلة نيوزويك في باكستان: بماذا تنصحني؟ أجاب بكل بساطة: لا تتعرف على الكثير من الناس.
استغربت ! كيف لهذا الكلام أن يصدر عن هذا الرجل الذي يعتبر من الغربيين القلائل الذين قابلوا بن لادن حتى أن اسمه فيما بعد سيظهر مع الصحفيين الأربعة الذين أوصى بن لادن أتباعه بالتواصل معهم، حسب الوثائق التي وجدتها القوات الأمريكية في بيته في أبوه أباد.
ثم سألته كيف؟ أليس من المهم التعرف على مصادر؟ أجاب مرة أخرى: « أكيد ولكنك عندما تتعرف على الكثير من الناس، بشكل شخصي، قد يمنعك ذلك من الخوض في بعض المواضيع، وتضيع الحقيقة »..
بعدها علمت أن هذه القاعدة تكاد أن تكون عامة في المدرسة الأمريكية للإعلام.
بعدها بسنوات كنت في حديث مطول عن صعوبة تمحيص المصادر مع الصديق علي المرابط، وكان وقتها مدير دومان، ولما وصلنا إلى هذه النقطة وجدت لديه وجهة نظر لم تكن مختلفة كثيرا، وتمثل القاعدة العامة للمدرسة الكاطالونية التي تكوّن فيها علي، مفادها أن التعرف على الناس محمود ومطلوب، ولكن الخوض في غير العمل ممنوع. أي أن الممنوع قطعا هو استغلال التواصل المهني من أجل مآرب خاصة.
المدرسة الفرنسية، من جهتها، وهي التي تأثرنا بها كثيرا في المغرب، تمثل العكس تماما: تعرف على الناس كما تشاء وتكتم على الأصدقاء وتاجر بالتكتم تماما كما تتاجر بالكلام، مع استثناءات قليلة طبعا…
المهم أن تصير رجلا ذا شبكة علاقات واسعة داخل وخارج دواليب السلطة.. وهكذا ضاعت الرسالة وضاع حق الناس في الوصول إلى المعلومة..
هذا المبدأ الأخير يحول الصحفي إلى شاهد من شهود الزور الذين تعج بهم أبواب المحاكم..
صعيبة تقرا حتى تشيب وتولي شاهد زور..