الكلام عن تسول الدولة وتبعيتها في المجالات الاقتصادية والسياسة و الثقافية وغياب العدالة الاجتماعية اساسي لان توفير العدالة للمواطنين قضية مهمة في المغرب، بينما تتكاثر فيه الاحداث المأسوية، لتطغى الواحدة على الاخرى، وفي بلد يعبق بالجرائم الأخلاقية والمواطنية والحوادث المأسوية والنكبات والكوارث. يتشرذم اذن البلد بين الفساد والرشوة والريع والممتلكات الغير المستحقة (Biens mal acquis). (1)
لكن رفض التحقيق والتأكيد على هذا والمس ب »السيادة » امر طريف في المغرب وقد يؤدي الاعتقال، لان المغرب منذ الاستقلال الشكلي لم يقم او تنتظم اموره الا بتدخل خارجي، او بمساعدات خارجية. فمؤتمر ايكس ليبان، شاهد في التاريخ الحديث على الرعاية، أو تأسيس النظام التبعي الذي رفضته الحركة الوطنية وفشلت.
الوصاية الشبه دائمة للمغرب وللنسيجه الاقتصادي ولنظامه من طرف فرنسا والى حد ما الوصاية العسكرية الأمريكية، ولو بسواعد الداخل، خير دليل على هذا التأثير الخارجي. وطلبات المساعدة والتسول غربا او شرقا لا فرق، لا تحفظ السيادة، ولا تمنع التدخلات الخارجية. و لا ننسى دعم » قطر وآل سعود” لتدبير خزينة الإدارة المغربية باستمرار واللجوء إلى دعمهما.
هناك دول عديدة تتسول على المستوى العالمي باسم شعوبها الجوعانة. عدد لا بأس به من الدول ومنها العربية فاسدة وتبذر أموال الشعوب، وحكامها لا إرادة لهم للدفع باتجاه التقدم، وينشغلون بالشهوات وملاحقة المواطنين والتضييق عليهم.
ونظرا لفسادهم وتقاعسهم وتغلب الشهوانية في حكمهم تتدنى إنتاجية المواطنين، وتنخفض دخولهم ودخل الدولة فيحصل نقص شديد في المواد الغذائية والخدمات الهامة. هنا تلجأ أنظمة حكم هذه الدول إلى البكاء والعويل على الساحة الدولية وطلب العون الاقتصادي والمالي. قد يتعرض مواطنو بعض هذه الدول للفاقة والجوع. هذه دول تستعمل فقر الشعب وجوعه للتسول والاستعطاء. هي دول شبيهة بالشخص الذي يتسبب بعاهة لابنه من أجل تسهيل الطريق نحو التسول.
بعض الدول الثرية تشجع التسول بطريقة أو بأخرى من أجل تحقيق مصالح قومية مثل الهيمنة الاقتصادية أو سلب الإرادة السياسية، وبعض الدول تشجع الفساد أو تغض الطرف عنه من أجل أن تبقى الدولة ذات الحاكم الفاسد تمد يدها للاستعطاء فتسقط إرادتها السياسية مثلما حصل ويحصل في المغرب.(2)
كما قرر المغرب إرسال مساعدات طبية إلى 15 دولة إفريقية لمكافحة كورونا، تتضمن أدوية ومستلزمات طبية ووقائية في حين الجائحة منتشرة بخطر في البلاد.
كما يمكننا الإشارة إلى الأدراج التام في استراتيجية العولمة وخصوصا محور باريس-الرباط-بريتوريا لتعزيز التسلط الامبريالي الفرنسي في القارة الأفريقية بأياد محلية.
او تقديم الدعم للبنان في نفس الوقت الذي يتعرض أبناؤه في الريف للاعتقال والأحكام القاسية لأنهم طالبو بجامعة ومستشفى و شغل أو تسلم المغرب لدعم النرويج والأمم المتحدة ل696 لوحة إلكترونية على تلاميذ بالوسط القروي وكان كرامة الشعب المغربي هزلت إلى هذه الدرجة. (ثمن اللوحة على حد أقصى 1000 درهم! )
من الملاحظ أن الدول المتسولة تحاول بقدر الإمكان لعب دور حمامة السلام والتعاون على الساحة الدولية وذلك لتثبت للعالم أنها دول مسالمة ولا تجنح نحو توتير الأجواء أو تسخينها بغض النظر عن حجم الاعتداءات التي تتعرض لها.
ولتكملة المعطيات حول النهب والاستحواذ عن خيرات البلاد، أيمكننا سرد بعض اشكال النهب (3)
لا يقتصر النهب على الاختلاس والسرقة والفساد، كأفعال تقع خارج دائرة القانون الجاري به العمل على علته، وإنما هناك أيضا النهب بطرق قانونية للاستيلاء على ممتلكات الدولة واستغلال الثروات الوطنية لأغراض شخصية تحت مظلمة القانون. أضف إلى ذلك الرشوة والطرق التي تمت بها الخوصصة والتفويت وهبة الأراضي واستغلال المال العام عبر مؤسسات الأعمال الاجتماعية المرتبطة بالمؤسسات العمومية.
يتخذ النهب العديد من الأشكال الأخرى، منها الإعفاءات الضريبية المخولة لفئة معينة من الأشخاص والتملص الضريبي والأجور والتعويضات “الطيطانيكية”، كما أن هناك نهب الرمال والثروات الطبيعية. ويمكن إدخال سوء التدبير وتضخيم الفاتورات والصفقات وتقديم قروض بدون ضمانات في مجال النهب أيضا. وكذلك إعفاء حفنة من المغاربة من أداء الخدمات القادرين على الأداء. ومنه أيضا خلق مناصب شغل وهمية وصفقات عمومية تفوت بمبالغ خيالية، إذ كانت بعض السدود تنجز في الستينيات بمبالغ بلغت 15 مليار مثلا. ومن النهب تقديم الرشاوي وإلغاء الرسوم الجمركية وحرمان الميزانية العامة من مداخيل واجبة، ومن النهب التبرعات التي كانت تقدم لبعض الأشخاص من مال الشعب. ومن النهب توزيع الامتيازات المرتبطة باقتصاد الريع واعتماد الأجور “الطيكانيكية”. ومن أشكال النهب توزيع الرخص في مجال استغلال الرمال والصيد في أعالي البحار والتي لا يستفيد منها إلا ذوي النفوذ والمقربين. ومن أشكال النهب توزيع المال العام على الميزانيات بشكل لا يأخذ بعين الاعتبار حاجيات ومصالح أوسع الفئات. فميزانية وزارة الداخلية مثلا تقدر بسبع (7) أضعاف الميزانية المخصصة للاستثمار. ومن النهب كذلك صرف الأموال العمومية في توهيم المواطنين، كما حدث بخصوص قضية البترول بتالسينت، إذ قيل أن هناك بترول بتلك المنطقة وصرفت على هذه الكذبة أموالا طائلة اقتطعت من مال الشعب، علما أن المتخصصين في المجال كانوا على علم أن تلك المنطقة جيولوجيا ليس بها مخزون نفطي مهم، ورغم ذلك لم نسمع عن أي مساءلة أو محاسبة بهذا الخصوص كأن شيئا لم يحدث.
ومن أشكال النهب والتبدير استمالة النخب السياسية، وفي هذا الصدد تبرز قصة التأثير على البرلمانيين لتمرير بعض القوانين، كما حدث بمناسبة تمرير اتفاقية التبادل الحر، حيث تزامن هذا التمرير بالإقرار بزيادة تعويضات البرلمانيين والتي بلغت 6000 درهم شهريا دون سابق إنذار وبدون مبرر، هذا في وقت تعيش فيه البلاد أزمة وتستفحل فيه البطالة ويطالب فيه حاملي الشهادات العليا بالحق في الشغل.
وقد اعتبر الكثيرون أن هذا القرار المشبوه بمثابة إرشاء البرلمانيين من أجل تمرير تلك الاتفاقية.
ومن أشكال النهب توزيع الأموال العمومية دون حسيب ولا رقيب لاستمالة بعض النخب السياسية والنخب الثقافية، وهذا ما أدى إلى جعل أغلب الأحزاب السياسية عندنا في خدمة الدولة وليس في خدمة المواطنين.
خلاصة القول
كيف يمكن لبلد مديونيه تقارب منتوجه الداخلي، يعاني من الجفاف، منظوماته الصحية والتعليمية والوبائية تعاني من ضعفها وعدم قدرتها على مواجهة الأوضاع، من البطالة المفرطة خصوصا في وسط الشباب، من أوضاع النساء وخاصة الشغيلة المتدهورة، من تردي الأوضاع المعيشية لدى فئات واسعة من المواطنين، من تداعيات تفشي فيروس كورونا، التي سترفع نسبة الفقر في المغرب إلى 19.87 بالمئة خلال 2020 من17.1 بالمئة في 2019، وفق تقرير صادر عن المندوبية السامية للتخطيط، ومنظمة الأمم المتحدة، والبنك الدولي، من 60% من المغاربة الذين يعيشون في فقر منهم 8 ملايين تحت خط الفقر و 2,5 ملايين أطفال دون تعليم، ومليون مغربي بأقل من دولار واحد في اليوم و83% من النساء في الريف اميات… كيف يمكن لبلد ان لا يتصدى لأسباب كل هذا وأسس النهب الذي يتعرض إليه من داخله ويبقي على تبعية دائمة للبنك الدولي والأمم المتحدة وفرنسا ودول المشرق كقطر والسعودية في حين اعيانه وعلى رأسهم أولهم يقتني السيارات الفاخرة والطائرة للابن والقصر الثالث في العاصمة الفرنسية بمئات الملايين دون مراعات أوضاع البلاد ؟
حالة التسول للقروض والإعانات الدولية الذي وصلت إليه البلاد زيادة على كونها مخزية ومشوهة للشعب المغربي، فهي الطريق الرسمي لافلاسها وكما أشرت اليه سابقا مآلها السكتة القلبية المؤكدة.
نوفمبر 2020
محمد بن الطاهر
(1) (مقتبس) نادية التوني – النهار
(2) تجارة الضعف – عبد الستار قاسم
(3) إدريس ولد القابلة – مافيات النهب في عهد الحسن الثاني الجزء الثاني