عشق أبدي: ثلاثية الرجل والأرض والسلاح.

المقاتل دداه ولد بادي ولد عيدي في ذمة الله.
عشق أبدي: ثلاثية الرجل والأرض والسلاح.

ثمة قليل من الرجال من يهبون أنفسهم وحياتهم بكل تفاصيلها لقضية آمنوا بها. تصبح القضية محور اهتمامهم، تستغرق تفاصيل حياتهم تشغلهم عما عداها.

من أولئك القلة الشهيد دداه ولد عيدي؛ منذ انخراطه مناضلا في الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، ضمن التحاقات جماعية لحرس الحدود الصحراويين قادمين من الشمال الموريتاني، سنة 1975، فضل دداه أن ينضم إلى صفوف الثوار المقاتلين. والتحق بالجنوب الشرقي، وكان دوره كدليل متمرس خبير بالأرض « آمنير » في المجهود الحربي حديث المقاتلين. شارك دداه في معظم المعارك التي خاضها جيش التحرير الشعبي الصحراوي في الجنوب والجنوب الشرقي وأبلى فيها البلاء الحسن. ومع الأيام نشأت علاقة وجدانية بينه وبين سلاحه. تلك العلاقة استمرت حتى بعد أن أقعد المقاتل دداه المرض.

دداه استغرق عالم المقاتلين كل تفاصيل حياته، ولفرط تعلقه بحياة المقاتل لم يستطع أن يتصور حياة أخرى غير تلك التي عرفها في ناحيته العسكرية.
تقدمت به سنين العمر، وفي رحلة المقاتل الطويلة فقد دداه رفيقة العمر وأم العيال « تربى منت لولاد ول محمد الشيخ ». وحين أقعده المرض رفض أن يتخلى عن حياة المقاتل التي ألفها وعن ناحيته، الناحية العسكرية الرابعة.

ورغم محنة المرض ظلت ذاكرته ولسانه متعلقان بسلاحه لايفتر عن السؤال عنه، ولا يطمئن له بال حتى يقال له أن سلاحه محفوظ في الصندوق القريب منه. تعلقه بسلاحه لا يضاهيه إلا حديثه عن سير المعارك وعن قرب النصر، وفي ذلك ما يرد بعضا من الروح الآخذة في التسلل من الجسد الواهن. ذلك رجل استغرقت حياته القضية بالكامل!

الشهيد دداه ول عيدي إلى ذلك، بل ورغم تعلقه بحياته العسكرية، كان دمث الخلق، ودودا، كل ما فيه ينبئك عن طبع غلبت عليه الطيبوبة. كريم وسخي سخاء حاتمي، بشوش مرح وطيب المعشر.

واليوم، يوم جمعة، يرتقي دداه ول عيدي شهيدا بعد صراع مع المرض. يرحل عن دنيانا الفانية، والعارفون به يشعرون أن لو كان في قلبه، الذي ينبض بحب الأرض وأهل الأرض، حرقة لكانت حرقة عجزه عن امتشاق سلاحه مجددا والمشاركة في الكفاح المسلح الذي وهبه حياته، كل حياته.

ينتقل دداه إلى الرفيق الأعلى، لكنه يظل بيننا أثرا لا يمحى وذكرى حاضرة بيننا حين يكون الحضور خصال وقيم ومناقب الفرسان الذين ظلوا على العهد وما بدلوا تبديلا.

بهذه المناسبة الأليمة لا يفوتني أن أعزي نفسي في رحيل هذا المجاهد الفذ وأعزي أخي عثمان ولد دداه، الإعلامي الذي أثرى بعمله إرشيفنا الإعلامي، ومن خلاله أعزي أهل عيدي وكل ذويه ومحبيه، ومقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي وخاصة الناحية الرابعة، والشعب الصحراوي كافة. راجيا من المولى عزت قدرته أن يتولى الشهيد بواسع مغفرته وأن يسكنه فسيح جناته مع الأبرار والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وأن يلهم أهله وذويه وأحبته جميل الصبر والسلوان.

وإنا لله وإنا إليه راجعون.

محمد أسلامه الداهي

Soyez le premier à commenter

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée.


*