على الرغم من الخلافات التي تشهدها علاقاتها مع الجزائر في الأشهر الأخيرة، إلا أن فرنسا لم تنجرف إلى الموقف الأمريكي الفاضح، الداعم للطرح المغربي في قضية الصحراء الغربية، حيث حافظت باريس على مسافة معينة من القضية الصحراوية، وإن كانت مواقفها قريبة دوما من الطرح المغربي.
كل ما صدر عن الطرف الفرنسي منذ تغريدة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، التي أعلن فيها اعترافه بالسيادة المزعومة لنظام المخزن على الأراضي الصحراوية المحتلة، لا يتعدى ما قالته المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية، أنييس فون دير مول، والتي أكدت أن بلادها “تؤيد حلا سياسيا عادلا ودائما ومقبولا من الطرفين”، موقف متأخر كثيرا عن موقف واشنطن التي لم تكن يوما داعما للمغرب في هذه القضية بهذا المستوى على وجه الخصوص.
المواقف الفرنسية ومنذ اندلاع النزاع بين المغرب وجبهة البوليزاريو في سبعينيات القرن الماضي، كانت قريبة دوما من المخزن، ويكتنفها الكثير من النفاق المبطن بتصريحات دبلوماسية ناعمة، ومع ذلك لم تتجرأ هذه المرة على الانجرار نحو دعم مفضوح للرباط، لا سيما أن الظرف الدولي والإقليمي يبدو مناسبا. فلماذا يا ترى؟
ما أقدم عليه الرئيس الأمريكي والذي قوبل باحتفاء منقطع النظير في الجارة الغربية والمحاور التي تدعمها، إلا أن ذلك يبقى محدود الفائدة بالنظر لكون هذا القرار وقعه رئيس لم يتبق له سوى شهر في البيت الأبيض، وكذا نظرا للردود الفورية التي واجهت “تغريدة ترامب”، والتي بدأتها الأمم المتحدة بالتأكيد على أن الموقف الأمريكي لا يغير في المعادلة شيئا، طالما أن القضية بين أيدي هذه الهيئة، وقد زاد الموقف الروسي الرافض والمنتقد لخطوة ترامب، من خيبة ساسة المخزن، الذين حاولوا إيهام الرأي العام المغربي بأن المسألة حسمت منذ الخميس الماضي.
كل هذه المعطيات تجعل موقفا فرنسيا (على اعتبار أن باريس عضو دائم في مجلس الأمن الدولي)، مشابها لموقف ترامب من القضية الصحراوية، أكثر من ضرورة بالنسبة لساسة الرباط ولإعلام المخزن، حتى يتسنى لهم المواصلة في مسار التطبيل لحلم طي صفحة القضية الصحراوية التي عمرت لأكثر من أربعة عقود. لكن شيئا من ذلك لم يحدث.
يدرك ساسة فرنسا أن العلاقات مع الجزائر تحكمها خطوط حمراء، وأن تجاوز هذه الخطوط يمكن أن يؤدي إلى القطيعة التي تخشاها باريس، ولذلك توقف موقفها عن تصريح دبلوماسي تعترف من خلاله بأن “نزاع الصحراء الغربية طال أمده”، وهي العبارة التي لم تقدم ولم تؤخر في التطورات التي تشهده هذه القضية، بل إن هناك من المراقبين من يعتبرون الموقف الفرنسي خذلانا لنظام المخزن، لأن فرنسا ظلت وعلى مدار عقود المدافع عن الموقف المغربي في اجتماعات مجلس الأمن الدولي، ولا سيما عرقلة الذهاب إلى تنظيم استفتاء حول تقرير مصير الشعب الصحراوي.
ويعتقد مراقبون أن إقدام فرنسا على الاعتراف بالسيادة المغربية المزعومة على الصحراء الغربية، من شأنه أن يؤدي إلى نهاية المصالح الفرنسية في الجزائر، والتي ضاعت منها الكثير خلال العامين الأخيرين، لصالح منافسين وخصوم، مثل الصين وتركيا وإيطاليا.