المدير العام للمعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الشاملة
❊ المخزن المغربي انتقل من نظام الحماية إلى الوصاية ثم العمالة
أكد المدير العام للمعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الشاملة، اللواء عبد العزيز مجاهد، أن رد الجزائر سيكون حازما وحاسما ضد كل من يحاول المساس بأمنها، مستغربا في حوار أجرته معه « المساء » تعاليق البعض بخصوص إبرام الجزائر صفقة اقتناء طائرات من نوع « سوخوي 57 » الروسية وفق مواصفات متميزة، كون الجزائر وروسيا شريكين تاريخيين في مجال التسلح.
الوصول إلى هدف الحكامة بتوظيف القدرات الوطنية
❊المساء: أوكلت لكم حديثا مهمة تولي إدارة معهد الدراسات الاستراتيجية، ماهي استراتيجيتكم لإضفاء بُعد جديد على عمل المعهد؟
❊❊مجاهد: هذه الهيئة ككل المؤسسات الوطنية مكلفة بتجميع وحشد كل الإمكانيات والوسائل لخدمة المشروع الوطني، ضمن مسؤولية جماعية هدفها الوصول إلى تحقيق حكامة وفق رؤية تركّز على توظيف القدرات الوطنية.
ولأجل ذلك فإن مهمتنا تكمن في فسح المجال أمام كافة الإطارات والكفاءات الوطنية للمساهمة في تحقيق إقلاع وطني شامل، ضمن أولويات تأخذ بعين الاعتبار رفع درجة الوعي لدى المواطن الجزائري وجعله شريكا أساسيا في حماية البلاد والدفاع عنها وتحصينها.
الجزائر مهيأة لردع كل محاولات استهدافها
❊ المساء: تشهد حدود الجزائر توترات على عدة جبهات، فبعد التطوّرات الخطيرة في منطقة الساحل وفوضى الوضع في ليبيا، قام المخزن المغربي، بتأجيج الوضع في منطقة الكركرات، إلى أي مدى ستؤثر هذه التطوّرات على أمن المنطقة ككل؟
❊❊مجاهد: لقد عاشت الجزائر مثل هذه الأوضاع منذ أكثر من 30 عاما، ضمن أحداث وتطوّرات يمكن القول إننا تعوّدنا عليها، ما يجعلها على استعداد تام لمواجهة مثل هذه الظروف وردع كل المحاولات التي تحاول استهدافها.
فرنسا تستغل المخزن كأداة للوصول إلى مستعمراتها القديمة
❊المساء: مع توالي اعتداءات وانتهاكات المغرب في الصحراء الغربية وكان آخرها ما وقع في منطقة الكركرات فإن السؤال يطرح حول دور الأمم المتحدة في تسوية هذا النزاع، كيف ترون الموقف كمتتبع للأحداث الجارية؟
❊❊مجاهد: عندما نتحدث عن الدور الأممي في حل النزاع الصحراوي لا بد أن نعود إلى سنة 1974 عندما تحدث الرئيس الراحل هواري بومدين بكل صراحة عن النظام العالمي الجائر، الذي وضع لخدمة دول لا تحترم حتى القوانين التي وضعتها.
ولا غرابة نتيجة لذلك أن نسجل بأن هذه الدول التي تشجع القوانين التي تخدم مصالحها هي التي تخرقها بعد انكشاف مخططاتها، بدءا بفرنسا الاستعمارية التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية. ودليل ذلك ما هو حاصل في ليبيا ومالي وهي الآن تلتزم الصمت إزاء ما يحدث في الصحراء الغربية بما يؤكد تواطئها وعمالتها للنظام المخزني بما يجعل منها شريكة في الجريمة المقترفة ضد الشعب الصحراوي.
❊ المساء: الصراع في الصحراء الغربية أخذ منحى جديدا بعد تدخل قوى لا تمت بأي صلة إلى المنطقة، هل معنى ذلك أننا أمام تهديد جديد قد يزيد من تأزيم الوضع أكثر؟
❊❊مجاهد: كل الدول لديها أجندات في المنطقة المغاربية، وما يحدث في منطقة الكركرات يندرج ضمن محاولة مغربية لتحويل الأنظار عن مشاكلها الداخلية وتخفيف الضغط الشعبي عليها بافتعال ما جرى في هذه المنطقة العازلة في وقت تستخدم فيه فرنسا المخزن كأداة وجسر للوصول إلى مستعمراتها القديمة التي مازالت تتحكم فيها.
❊المساء: أدرج الدستور الجديد مادة حول إمكانية مشاركة الجيش الوطني الشعبي في مهام عسكرية خارج الحدود، هل يعني ذلك الانتقال إلى مقاربة جديدة لمواكبة التطوّرات التي تشهدها المنطقة، باعتبار أن ما تعرفه بعض دول الجوار يعد امتدادا للأمن القومي الجزائري؟
❊❊مجاهد: المادة الجديدة جاءت لترسيم موقف الجزائر بخصوص هذه المسألة. كما أنه يجب أن لا ننسى أن بلادنا وقبل المصادقة على الدستور الجديد، سبق لها أن أرسلت وحدات عسكرية إلى الخارج في إطار الدفاع عن القضايا العادلة، كما كان الحال مع الصراع العربي ـ الصهيوني، حيث شاركت وحدات الجيش الجزائري في الحروب العربية من 1967 إلى 1973.
ولذلك فإن ما كان ينقصنا بخصوص هذه القضية هو دسترة هذه المهام ووضعها في إطار قانوني، كما أن المادة تنصّ على أن رئيس الجمهورية هو الممثل الشرعي للشعب، فضلا عن موافقة أغلبية ممثلي الشعب في غرفتي البرلمان الذين تعود لهم كلمة الفصل في تزكية أي عملية للجيش الوطني الشعبي خارج الحدود أو رفضها.
ولابد من التذكير في هذا السياق بمادتين في الدستور تقرّان بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وأكدتا على الحفاظ على السلام والأمن وفق قرارات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي بما يجعل الجزائر دائما مع الشرعية الدولية وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
ويتجلى ذلك في موقف الجزائر تجاه ما يجري في ليبيا وفلسطين والصحراء الغربية. وكمثال على ذلك، فإن الجزائر تبقى البلد الوحيد الذي يستقبل كافة التيارات الفلسطينية دون استثناء عكس دول أخرى، ضمن موقف محايد التزمته أيضا تجاه أطراف الأزمة الليبية وأكدت لهم مرارا بأن القضية قضيتهم وإذا طلبوا مساعدتها فإنها لن تتردد في تقديم يد العون دون تغليب طرف على طرف آخر.
للجزائر دور هام في المنطقة بإسقاطها المشروع الامبريالي
❊المساء: برأيكم ماهي الاستراتيجية المناسبة التي يمكن للجزائر اعتمادها لمجابهة التحديات الأمنية التي تؤرّق حدودها؟
❊❊مجاهد: لقد أثبت التاريخ أن الشعوب لما تكون متحدة بإمكانها الوقوف كسد منيع أمام كل القوى، ورأينا ذلك في تجارب متعدّدة في فيتنام وكوبا وإيران وكوريا الشمالية، وهو ما يجعل كل طموحات غير مشروعة ومضرة بالمصالح الوطنية سيكون مآلها الفشل.
وبالنسبة للجزائر فمنذ 1962 وإلى يومنا هذا مازالت مستهدفة من قبل المخزن المغربي، ويتذكر الجزائريون جيدا عندما استغل المغرب خروج بلادنا من استعمار مقيت تواصل على مدى 132 عام ليشن حربا غادرة سنة 1963 عرفت بـ »حرب الرمال » ولم تتوقف سيناريوهاته المشبوهة ضد الجزائر من خلال محاولات استدراجها ونصب فخاخ لها على مدار سنوات استقلالها وما نعيشه من مخططات دنيئة ليس جديدا علينا.
فالمغرب لم يكف يوما عن نشر أكاذيب ضد الجزائر وتصوير نفسه في كل مرة على أنه ضحية، بما يستدعي فضح ممارساته وخاصة تجاه القضية الصحراوية التي تنص كل قرارات الأمم المتحدة منذ ستينيات القرن الماضي على حق تقرير المصير لشعب هذا البلد، لكن أسياد المخزن أعطوه تعليمات لمخالفة الاتفاق، لأنه لا يخدم مصالحهم وهو ما جعله يسعى دائما إلى إفشال كل الجهود لتقرير مصير الشعب الصحراوي وقام بدلا عن ذلك بغزو الصحراء الغربية بدعوى ملفقة، بأنها أرض مغربية.
ونتذكر أن العاهل المغربي الراحل، الحسن الثاني، حاول إيهام الجميع بأن المحكمة الدولية قد أنصفته في مزاعمه التوسعية، لكن يكفي أن نقرأ قرارا على هيئة قضائية دولية، كاملا لنجد أنه أخذ جزءا منه وتنكر للجزء الآخر الذي يفضح عملية غزوه، والذي نصّ صراحة على حق تقرير مصير الشعب الصحراوي، ويتعين على وسائل الإعلام كشف حقيقة ذلك دون مواربة.
ولابد هنا من التفريق بين المواطن المغربي البسيط والنظام المخزني، فالفرد المغربي يقر بأنه ليست له حكومة بل « محكومة » لأن تاريخ المخزن منذ 1912 إلى يومنا هذا لم يخدم مصلحة شعبه، بل خدم أسياده مثلما خدم الاستعمار، فلقد انتقل من الحماية إلى الوصاية ثم العمالة.
فالجزائر كانت تنادي دوما بالوحدة المغاربية والوحدة الإفريقية منذ عشرينيات القرن الماضي، ويكفي التذكير هنا بأن أول هيئة جمعت المنطقة كاملة كانت بمبادرة من الجزائر عبر نجم شمال إفريقيا وبيان الشعب الجزائري سنة 1943. وقد استحسن أحرار المغرب هذه المقاربة وأعدوا بدورهم بيانا للشعب المغربي في 1944.
فخلال الثورة التحريرية خضعت البورجوازية المغربية لفرنسا وأمضت معها الاستقلال المشروط لكن أحرار المغرب وقفوا إلى جانبنا خلال سنوات 56 و57 و58 قبل أن يصطدموا بتحالف المخزن مع فرنسا وإسبانيا. كما عارض هؤلاء العدوان المغربي على الجزائر مباشرة بعد حصولها على استقلالها فكان جزاءهم القتل والتشريد والنفي، ضمن تصرفات مخزية تبقي المخزن عدونا الأول بعد أن فضل أن يبقى عميلا لأسياده.
روسيا شريكنا في التسليح منذ أكثر من 60 عاما
❊المساء: أوردت عدة مواقع إعلامية أخبارا حول إمكانية شراء الجزائر لمقاتلات جوية من طراز « سوخوي57″وفق خصوصيات متميزة، كيف تقرؤون ذلك في ظل التطوّرات التي تشهدها المنطقة؟
❊❊مجاهد: شكرا على هذا السؤال، أولا لابد من الإشارة إلى أن الموقف الروسي تغير بعدما عاث الغرب فسادا في ليبيا والدليل أن موقفهم في سوريا كان مغايرا للقوى الأخرى، حيث صد كل الهجمات ضد هذا البلد العربي واعتبروا أن ما يحدث هناك لا تعدو أن يكون قضية داخلية.
فمتى تدخل الروس في سوريا؟ لقد فعلوا ذلك بعد تدخل 83 دولة مدفوعة من دول غربية. أما بخصوص قضية الصحراء الغربية فقد نادت روسيا دوما بتسويتها وفق الشرعية الدولية ولكن المشكلة الأساسية أن الدول الغربية تنتهك القوانين التي وضعتها ولذلك نجد الآن أن دولا ناشئة قوية مثل الصين لديها مواقف تكشف تواطؤ الدول الغربية التي تسعى لخدمة مصالح الشركات متعددة الجنسيات.
فلما نسجل عقد اجتماع كرانس مونتانا في منطقة الداخلة والعالم كله يعلم بأن الأراضي التي تحتضن هذه التظاهرة إقليم مستعمر، نفهم كيف يمكن لأكبر أثرياء العالم اغتصاب القوانين والمواثيق الدولية.
ولابد من التأكيد هنا، أن روسيا هي شريكنا الأول في التسليح منذ أكثر من 60 سنة وللجزائر دور ومكانة في المنطقة، حيث نجحت في إسقاط المشروع الامبريالي في سنوات التسعينيات لما أرسلت لنا بعض الدول الغربية الإرهابيين، وبالتالي لا مناص من القول بأنها هي التي خلقت الإرهاب، ويكفي أن نستدل بتصريح، لوران فابيوس، وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، الذي أشاد بجبهة النصرة، عندما قال إنها تقوم بعمل جيد في سوريا لأن فرنسا هي التي كونتها، وبالتالي فإن تاريخها أسود ومخز وهي وراء اغتيال رهبان تبحيرين شهر مارس سنة 1996 أيضا.
كما يجب التذكير بالانقلابات والاغتيالات التي نفذتها في إفريقيا بالاستعانة بالعملاء على غرار ما حصل في كوت ديفوار، حيث خرقت الدستور من خلال تجنيد عملاء لها ينفذون أجندتها. ونفس الشيء في لبنان عندما سمح الرئيس إيمانويل ماكرون لنفسه التكلم باسم هذا البلد وكأنه مازال تحت الوصاية والحماية الفرنسية.
وعندما يتحدث عن الجزائر أيضا فإنه يحاول استرجاع حنين الماضي، نقول له لن تسترجع أي شيء لأن سياستكم انكشفت أمام العلن وموقفنا سيكون حازما وحاسما إزاء كل من يحاول المساس بأمن الجزائر.
❊ المساء: الاستفتاء على الدستور يعد خطوة في إطار إرساء معالم « الجزائر الجديدة »، برأيكم كيف يمكن تجسيد هذا الهدف؟
❊❊مجاهد: حجر الأساس في هذا الدستور هو المواطنة إذا أردنا أن تتقدم الجزائر، علينا تفعيل كل الطاقات والإمكانيات حتى يكون المواطن الجزائري معطاء. وهنا يجب على التنظيمات والتشكيلات الوطنية دفع المواطن الجزائري للارتقاء إلى المستوى المنشود، كما يستلزم على مؤسسات الدولة رفع درجة الوعي وتحسين وترقية ثقافة المواطنة والمسؤولية وترقية الحس المدني حتى يكون المواطن أكثر فعالية لخدمة بلاده.
المساء
Soyez le premier à commenter