حدمين مولود سعيد.
ماذا لو كانت الكلمات التي تخرج من أفواهنا تتراكم مثل الأشياء، في جميع أنحاء بيوتنا. لو كانت الكلمات تتحول إلى جدران و أبواب و نوافذ و مرايا و أجهزة منزلية. حين نمر من مكان لآخر قد نتعثر بها كما هو الحال مع العاب الابناء، مثلاً. حينه يتم كسر ترقوة عند ضربنا ضد مبتدأ أو خبر أو ظرف أو جملة قصيرة تركناها ملقاة في مكان ما. و عند قيامنا من الجلوس تنقرنا زاوية حادة لفعل ناقص كان فوق رؤوسنا. و عند المبيت لم نتمكن من النوم لأن حروف العطف المتبعثرة تحت فراشنا تجعله غير مُريح.
عند تشغيل الهاتف، تخرج منه الكلمات و كأنها نيازك، تاركةً بيوتنا ضائعةً من عبارات صالحة و أخرى غير صالحة، جُمل فعلية و أخرى أسمية، ضمائر هنا و علامات استفهام هناك و علامات تعجب هنالك.
لو استمر الحال على ما هو عليه، لا محالة، سيأتي يوم نصبح فه مُجبرين على إستئجار خدمات اخصائيين في تنظيف التراكمات النحوية و الترسبات اللغوية، خبراء في فصل الفاعل عن المفعول به و فصل الجار عن المجرور به و تقنيين مُختصين في جبر ضرر الأسماء التي تم كسرها بدلا عن رفعها.
لعل كل هذا يُجبرنا على إدراك ما نقوله للآخرين و ما نقوله لأنفسنا…
في مثل هذه الحالات، لن نتحدث دون جدوى. لن يضر بعضنا البعض الآخر. لن نستمع إلى الكثير من الغباء. وسنعمل على عدم فتح « الواتساب » امام بعض التسجيلات الصوتية و حروف النداء، كما نفعل حين نطفئ الضوء عندما لا يكون من المنطقي استمراره مشغول.
لعلنا نغلق أفواهنا بخمسة سدوم مثل الشخص الذي يضع صبعه على مفاتيح الضوء كي يطفه عند مغادرة الغرفة. لعلنا نصبح نقيس أكثر الأفكار التي نعبر عنها. كي نكون حرصين أكثر. لأن الحقيقة هي أنه على الرغم من أن الكلمات المنطوقة على ما يبدو لا تشغل أي مكان و لا تمليه، إلا أنها بالتأكيد تظل هناك، في مكان غير مرئي من ذاكرتنا و أذهاننا. ونعم، نعم، فوقها يتراكم الغبار ونحن نتعثر بها و حين نعبر من مكان لآخر نستضم ضد الأفعال و الأسماء والأحوال و أخوات إن و الظروف و أساليب المدح و الذم التي نطقناها العام الماضي او قبل عشرين سنة.
العديد من الأصدقاء او الاحباب يتم غرقهم في بحر من الاتهامات و الشتائم المتبادلة والمتراكمة خلال وقت سيء من حياتهم. إنهم يغرقوا في ما قالوا. الجُمل النحوية التي تم بها الاتهام و الشتم تعود من جديد لأنها لم تغادر أبدًا، لأنها كانت هناك، تعيق الطريق، في منتصف المنزل، مثل العاب الأولاد. من المستحسن إذا أن نكون حذيرين للغاية جميعا من ما يُقال، ولكن أيضا من ما يُسمع، لأن ما يُسمع وما يُقال يجتمعان معًا و يتراكم في زاوية من المنزل مثل الغبار في زاوية من الغرفة، وسيأتي يوم يصبح فه جو بيوتنا غير صالح للتنفس من شدة غباره و تلوثه.
Be the first to comment