تحوُّلُ مقرات الاحزاب لحلبة المصارعة الحرة عوض المناظرة الحرة و السجال الديموقراطي امر طبيعي وتحصيل حاصل في نهاية الأمر، من وجهة نظري على الاقل، الأمر لا يستدعي كثير من التهويل والتبخيس، فما تسمعه في بعض الملاعب والمرافق العمومية يستقي مفرداته من قواميس ومعاجم مرعبة تتجاوز بكثير ما فاه به البعض، المستجد في الامر هو التعاطي الاعلامي السطحي مع تلك المشاهد دون التعمق في الظاهرة عموما.
لا نختلف ان منسوب العنف في الممارسات والعلاقات داخل المجتمع قد ارتفع بشكل مقلق مما أدى إلى انتقال تلك العدوى للمؤسسات دون اغفال الانكماش والتراجع الذي اصاب منظوَمة قيمنا عموما.
تجدر الإشارة ان الاحزاب كهيئات مدنية تعرضت، منذ نشأتها لمضايقات وتحرشات، باعتبارها منافسا للسلطة وبديلا محتملا لها وليست شريكا او طرفا في الحكم، إجمالا يمكن القول ان تلك الهيأت تعرضت لأنواع من التنكيل حال دون نموها بشكل طبيعي.
بالنسبة لي، حتى الاحزاب التي كانت قريبة من دائرة الحكم، وكانت لها حظوة لدى اهل الحل والعقد، لم تشهد نموا طبيعيا، إذ ان التدخلات الخارجية جعلت منها كائنات غير عادية سمينة ومليئة بالطفيليات ، لم تتمكن من النضج والاعتماد على نفسها شانها شان الرياضيين الذين يستعملون المنشطات.
كذلك سيكون فعلا من الاجحاف ان ننكر، ان مجمل المكتسبات الحقوقية والديموقراطية على علاتها، ساهمت فيها تلك الهيآت بمبادراتها ونضالاتها.
الاحزاب بدورها، لم تطور اساليب عملها، ولا بنياتها، ولم تجدد أجهزتها ولا خطابها الذي ظل حبيس مفاهيم مهترئة ومتهالكة، تجاوزتها الحياة بمسافات شاسعة.
المطلوب اليوم، ان تقوم الاحزاب بثورة ثقافية، هادئة، ليس على شاكلة الربيع اياه، بل يجب عليها تجديد نخبها بشكل جذري وعميق والقضاء على ظاهرة الخلود في المقاعد وفتح اوراش التداول ضمانا لاستمرار الحياة وتجنب ظواهر الركود ، وكذا تطوير فضاءات النقاش والتفكير.
البناء الديمقراطي المكتمل النمو و الذي ينشده الجميع، لن يكتب له النجاح دون أحزاب قوية، تنظيميا وفكريا، وعضليا أيضا، لذا، فإن محاربة الممارسات الحزبية الخسيسةو الدنيئة لا يجب أن تتحول لمحاربة الاحزاب.
المرعب في الأمر ليس الكلام الساقط او الشجار بالأيدي او بالصحون، بل التهاوي الفكري والتوقف عن إنتاج الأفكار وتطوير المشاريع والتحول لمقاهي انتخابية.
انس ألم.
Be the first to comment