قلت لكم انكم تثيرون فزعي ، لأنكم لا ترون ما هو ابعد من موقع اقدامكم ، تشغلون انفسكم باللحظة التي مضت وليس باللحظة القادمة :
تطلبون الاستقلال ، حسناً ، تطلبون الحرًية ، حسناً ايضاً ، سوف يعطونكم ما تطلبون ، وسوف يوقعون معكم قصصات من الورق ، لم يعد في ذلك شك لأسباب كثيرة ، أولها ، أنه لم يعد في مقدورهم أن يسيطروا عليكم بالسلاح ، ولسبب ثاني ، هو أنهم لم يعودوا راغبين في السيطرة عليكم بالسلاح .
سوف تتولون المسؤولية وسوف تجدون انفسكم رؤوساء لشعوبكم ، لديكم قصور رئاسية ، ولديكم حرس وناس ، ولديكم سيارات رئاسية وربما طائرات.ليس هذا هو المهم ، هل تجدون لديكم سلطة رئاسات ؟
لست متأكد من ذلك .
سوف تجدون لأنفسكم سلطة على رعاياكم ، ولكن لن تجدوا لأنفسكم سلطة على غيرهم . رعاياكم سوف يطلبون منكم « جوائز » الاستقلال ، ومن حقهم أن يتوقعوا تحسين احوالهم بعد الاستقلال … فهل لديكم ما تعطونه لهم ؟
اشك كثيراً بذلك .
لماذا ؟
لأنكم جميعاً منهوبون ، مواردكم نهبت فعلاً أو هي مرتبطة بنظم دولية تواصل عملية نهبها . وإذا لم تكن لديكم سلطة غير سلطتكم على رعاياكم ، وإذا كان هؤلاء الرعايا سوف يطالبونكم بما سوف تكتشفون أنه غير موجود ، فماذا سوف تفعلون ؟
تغيرون اتجاه سلاحكم من اعدائكم القدامى لأعداء جدد ، سوف ترونهم داخل بلادكم ؟
ماذا ستفعلون ؟
سوف تجدون في بلادكم طبقات أكثر قوة من جماهير شعوبكم ، لأنهم تعلموا كيف يتعاملون مع النظام القديم ، وفي ظله وفي حماه كونوا ثروات ورتبوا مصالح ، فإلى من سوف تنحازون ؟
إلى القلة القوية أم إلى الاغلبية المقهورة ؟
بعضكم سوف يقول أن لديه موارد ولكنها مستغلة بواسطة الآخرين ولصالحهم .
حسناً ، بعض رفاقنا هنا في هذه القاعة ، لديهم بترول ، وبعضهم لديهم نحاس ، وبعضهم زنك وحديد وذهب وماس أيضاً ، ماذا سيفعلون بهذه الموارد ؟
احدهم سوف يتحمس ويعلن أمامنا أنه ينوي استرداد هذا الموارد من أيدي غاصبيها ، حسناً ، مصّدق فعلها في إيران وأمم البترول ، فماذا كانت النتيجة ؟
لقد وجد نفسه في طريق مسدود بالحصار ، ثم وجد نفسه في السجن حتى الآن بالانقلاب المضاد .
إن مستعمريكم السابقين رتبوا أنفسهم قبل أن يوافقوا على الاستقلال ، واقاموا أوضاعاً جديدة ، فبدّلوا اعلامهم القديمة باعلامكم الجديدة ، ولكن ، هل سيغير هذا من واقع الأمر شيئاً ؟
سوف تجدون أنفسكم أمام مشاكل ، وسوف يندفع بعضكم إلى أن يطلب من صندوق النقد الدولي أو من البنك الدولي قروضاً.فهل سألتم أنفسكم من هؤلاء الذين يسيطرون على صندوق النقد الدولي ؟ وعلى البنك الدولي ؟
إنهم نفس جلاديكم السابقين .
أخشى أن اقول لكم ، بأنكم تذهبون إلى الاسياد القدامى ، طالبين منهم مساعدتكم على مسؤولية الاستقلال . فأي وضع هذا الذي تستنجد فيه الضحية بالجاني ، حتى يساعده على تلافي آثار جريمته ؟
جريمة الاستعمار لن تصححها قروضه وإنما سوف تزيدها سوءاً .
لن تكون هذه المشكلة الوحيدة التي تواجهكم . لاحظوا أن حقوق الحرية التي طالبنا بها لن تكون هذه المشكلة الوحيدة التي تواجهكم . لاحظوا أن حقوق الحرية التي طالبنا بها وناضلنا من أجلها كأوطان ، سوف تحدث أثرها في داخل هذه الأوطان نفسها ، بمعنى أن جماعات داخل أوطانكم سوف تطالب بحقوق في الداخل ، سكتت عليها ، لأنها اختارت أن لا تكسر الوحدة الوطنية في ظروف المطالبة بالاستقلال ، لكنها بعد توقيع قصاصة الورق ، سوف تجد أن الفرصة ملائمة لتطالب بها ، أقليات عرقية وعنصرية ودينية . سوف تطالب بترتيبات خاصة :
– نوع من الحكم الذاتي .
– نوع من تحقيق الهوية الذاتية .
وربما يكون هناك تشجيع من قوى السيطرة القديمة ، فقد تعلمت بتجربتها أن تتعامل مع الاقليات من كل نوع .سمعت بعضكم يتحدث عن عضوية الأمم المتحدة ، وكأنها ملكوت الله . تطلبون فتجابون . هل هذا صحيح ؟
الأمم المتحدة بلا فاعلية . ربما يقول بعضكم ، أن دخول عدد كبير من الدول حديثة الاستقلال إليها ، سوف يحقنها بالفاعلية . اخشى أن العكس سيحدث . أستطيع أن ارى المستقبل أمامي بوضوح ، فحين يصبح عدد اعضاء الأمم المتحدة مائة أو مائة وعشرين أو مائة واربعين عضواً ، ليكن ، وليكن أن من بينهم مائة دولة حديثة الاستقلال ، فما هو أثر ذلك ؟
أثره كارثة محققة . هل هي عدد أصوات ؟
وماذا سيفعل عدد الأصوات في الأمم المتحدة ؟
كيف يمكن أن تقبل الولايات المتحدة أن يتساوى صوتها مع صوت كوستاريكا ؟
أو يقبل الاتحاد السوفياتي أن تصبح قيمة صوته هي نفس قيمة صوت افغانستان ؟
مع اعتذاري للملك ظاهرشاه ، الذي لا أراه معنا في هذه الجلسة . وإن كان رئيس وزرائه السردار داوود يجلس الآن في مقعده .
لن يقبلوا المساواة في الأصوات أو في قوة الاصوات . وبصراحة شديدة ، فأنني معهم ، فالقوة الحقيقية في العالم ، لا يمكن أن تتحقق بعملية حساب ، تجمع أو تطرح فيها الاصوات.
وإذن ، سوف يتركون لكم الأمم المتحدة ، تتكلمون فيها على هواكم ، ثم تكتشفون انها اصبحت مجرد نادي أو مقهى يذهب إليه المندوبون ليشربوا الشاي ويلعبوا ، وبدل أن يلعبوا بالورق ، سوف يلعبوا بالكلام .
أريدكم أن تستشعروا ، أن كلمة « الاستقلال » وكلمة » الحرية » ليست تعبيرات فرح ، وإنما هي أثقال مسؤولية مخيفة . هذا ما أريدكم أن تفهموه .
أن السيطرة الجديدة ، لن تكون بالجيوش ولكن بالتقدم . التقدم هو وسيلة السيطرة الجيدة . أنتم متقدمون ، أذن فأنتم سادة . أنتم متخلفون ، إذن فأنتم مقهورون ، مهما وقعتم من قصاصات ورق ومهما رفعتم من قصاصات قماش سميتموها أعلاماً .
وأسالكم ، ما هو التقدم ؟
اجتماعي بالدرجة الأولى.من منكم يستطيع ان يعطي لشعبه نظاماً اجتماعياً يحقق العدل لجماهيره وبأي ثمن ؟
سوف تأخذنا جميعاً حمى التنمية ، وسوف نتكلم عنها ونملأ الدنيا كلاماً . أنما هناك سبيل واحد إلى التنمية ، وهو العلم .
فماذا لدينا منه ؟
جواهر لال نهرو
مؤتمرعدم الانحياز
باندونغ 1955