منذ أيام دعوتُ الى غرفة مكتبي مربّية أولادي (يوليا فاسيليفنا) لكي أدفع لها حسابها
– قلت لها : إجلسي يا يوليا … هيّا نتحاسب … أنتِ في الغالب بحاجة إلى النقود ولكنك خجولة إلى درجة انك لن تطلبينها بنفسك .. حسناً .. لقد اتفقنا على أن أدفع لك (ثلاثين روبلاً) في الشهر.
– قالت : أربعين
– قلت : كلا .. ثلاثين .. هذا مسجل عندي … كنت دائما أدفع للمربيات (ثلاثين روبلاً) …
– حسناً.
– لقد عملت لدينا شهرين.
– قالت : شهرين وخمسة أيام.
– قلت : شهرين بالضبط … هذا مسجل عندي … إذن تستحقين (ستين روبلاً) …
نخصم منها تسعة أيام آحاد … فأنت لم تعملّي (كوليا) في أيام الآحاد بل كنت تتنزهين معهم فقط … ثم ثلاثة أيام أعياد .
تضرج وجه (يوليا فاسيليفنا) وعبثت أصابعها بأهداب الفستان ولكن لم تنبس بكلمة.
واصلتُ …
– نخصم ثلاثة أعياد؛ إذن المجموع (إثنا عشر روبلاً) … وكان (كوليا) مريضاً أربعة أيام ولم تكن يدرس … كنت تدرّسين لـ (فاريا) فقط … وثلاثة أيام كانت أسنانك تؤلمك فسمحتْ لك زوجتي بعدم التدريس بعد الغداء … إذن إثنا عشر زائد سبعة … تسعة عشر … نخصم ، الباقي .. (واحد وأربعون روبلاً) .. مضبوط .
– إحمرّت عين (يوليا فاسيليفنا) اليسرى وامتلأت بالدمع ، وارتعش ذقنها … وسعلت بعصبية وتمخطت ، ولكن … لم تنبس بكلمة.
– قلت : قبيل رأس السنة كسرتِ فنجاناً وطبقاً … نخصم (روبلين) .. الفنجان أغلى من ذلك فهو موروث ، ولكن فليسامحك الله .!! علينا العوض … وبسبب تقصيرك تسلق (كوليا) الشجرة ومزق سترته … نخصم عشرة … وبسبب تقصيرك أيضا سرقتْ الخادمة من (فاريا) حذاء … ومن واجبكِ أن ترعي كل شيء فأنتِ تتقاضين مرتباً … وهكذا نخصم أيضا خمسة … وفي 10 يناير أخذتِ مني (عشرة روبلات).
– همست (يوليا فاسيليفنا) : لم آخذ
– قلت : ولكن ذلك مسجل عندي.
– قالت : حسناً، ليكن.
– واصلتُ : من واحد وأربعين نخصم سبعة وعشرين … الباقي أربعة
عشر
امتلأت عيناها الاثنتان بالدموع … وظهرت حبات العرق على أنفها الطويل الجميل … يا للفتاة المسكينة.
– قالت بصوت متهدج : أخذتُ مرةً واحدةً … أخذت من حرمكم (ثلاثة روبلات) … لم آخذ غيرها.
– قلت : حقا ! … انظري وانا لم أسجل ذلك !!نخصم من الأربعة عشر ثلاثة … الباقي أحد عشر … ها هي نقودك يا عزيزتي ثلاثة … ثلاثة … ثلاثة … واحد ، واحد … تفضلي .
ومددت لها (أحد عشر روبلاً) …
فتناولتها ووضعتها في جيبها بأصابع مرتعشة … وهمست : شكراً.
انتفضتُ واقفاً وأخذت أروح وأجيء في الغرفة واستولى عليّ الغضب.
– سألتها : شكراً على ماذا !!
– قالت : على النقود.
– قلت : يا للشيطان ولكني نهبتك … سلبتك ! … لقد سرقت منك !
.. فعلام تقولين شكراً
– قالت : في أماكن أخرى لم يعطوني شيئاً.!!
– قلت : لم يعطوكِ !! أليس هذا غريبا !! لقد مزحتُ معك … لقنتك درساً قاسياً …
سأعطيك نقودك … (الثمانين روبلاً) كلها … ها هي في المظروف جهزتها لكِ !
ولكن هل يمكن أن تكوني عاجزة الى هذه الدرجة ! لماذا لا تحتجّين ! لماذا تسكتين ! هل يمكن في هذه الدنيا ألاّ تكوني حادة الأنياب ! هل يمكن أن تكوني مغفلة إلى هذه الدرجة .
– ابتسمتْ بعجز فقرأت على وجهها : “يمكن”
– سألتُها الصفح عن هذا الدرس القاسي وسلمتها ، بدهشتها البالغة ، (الثمانين روبلاً) كلها … فشكرتني بخجل وخرجت.
تطلعتُ في أثرها وفكّرتُ : ما أبشع أن تكون ضعيفاً في هذه الدنيا !!
من تاريخ الأدب العالمي …..انطون شيخوف