عندما تعجز التكنولوجيا تستنجد باللغة

البشير لحسن

عندما أعلنت إيران أنها اسقطت طائرة أمريكية مسيرة، لم تتأخر في نشر صور حطام الطائرة. وبهذا، تكون طهران قد كسبت مصداقية لدى الرأي العام ستستفيد منها اعلامياً، من دون أدنى شك.

في المقابل، ادَّعى دونالد ترامب، الأسبوع الماضي، أن بلاده قد اسقطت طائرة إيرانية مسيرة بعد اقترابها لمسافة أقل من ألف متر من سفينة الإنزال الأمريكية « بوكسر ». لكن الولايات المتحدة لم تقدم أي دليل يُثبت ذلك الإدعاء. وقد راحت طهران أبعد من ذلك بنشر صور ومقاطع فيديو للسفينة الأمريكية المذكورة تكون قد التقطتها الطائرة الإيرانية التي زعمت واشنطن اسقاطها.

وبعد امتحان المصداقية المرير، قرر الجيش الأمريكي تطويع اللغة ومضغها جيداً قبل التلفُّظ بها عندما يتعلق الأمر بإسقاط الطائرات الإيرانية. فبدل استعمال ألفاظ من قبيل؛ اسقطنا أو قصفنا أو دمرنا طائرة إيرانية، أصبحوا يقولون « اتخذنا إجراءً دفاعياً ضد طائرة إيرانية مسيرة ». وفي الأمر ضربة حظ أكثر منه تأكيد نابع من تكنولوجيا عسكرية دقيقة. فجملة « اتخذنا إجراء دفاعياً » هي حمَّالة أوجه، أي أنها تحتمل اسقاط الطائرة، كما تحتمل أيضاً إفلاتها من الصواريخ الأمريكية، الأكثر تطوراً ودقةً في تاريخ البشرية منذ عهد آدم عليه السلام إلى يوم الناس هذا.

ومن خلال استعمال هذه اللغة الملتبسة يريد الجيش الأمريكي أن يقول أن راداراته المتطورة ترصد ثم تضرب صواريخه الدقيقة جداً ثم تلتقط الكاميرات الحديثة والمزودة بأشعة xcvbnm حطام الأجسام التي تقترب من السفن الأمريكية. طبعاً، يحدث هذا في كل أنحاء العالم، إلّا عندما يكونون في مضيق هرمز ويتعلق الأمر بالطائرات الإيرانية المسيرة، فإن كل تلك التكنولوجيا العسكرية الدقيقة تعجز عن الجزم وتصبح تقديرية، وتفادياً للحرج، تستنجد باللغة لإثبات ما عجزت عن تأكيده بالأدلة القاطعة

Soyez le premier à commenter

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée.


*