لوموند : القصر الملكي في المغرب يواجه الغضب الاجتماعي
ترجمة سعيد السالمي
هل سيمرّ المغرب إلى مرحلة رد الفعل؟ في ظرف سنة واحدة، عاشت المملكة احتجاجات قوية ومتزايدة، حيث خرج عشرات الآلاف الى الشوارع في الريف، شمال البلاد، قبل أن تنتقل عدوى الاحتجاجات إلى زاكورة في الجنوب، وبعد ذلك، منذ شهر ديسمبر، انتقلت إلى جرادة، وهي مدينة منجمية تقع شرق البلاد على الحدود الجزائرية.
وإذا كانت هذه الاحتجاجات قد اندلعت في سياقات إقليمية مختلفة، فإن قاسمها المشترك أنها تطالب بالعدالة الاجتماعية ــ الشغل، الخدمات العمومية، الامتيازات ــ التي يتعين على المغرب، الذي يفتخر بكونه قوة افريقية صاعدة، أن يستجيب لها وإلا سوف تتسبب له في ضعف دائم.
وتعتبر الحركة الإحتجاجية التي شهدتها الحسيمة أقوى هذه الحركات، حيث توالت فيها المظاهرات من أكتوبر 2016 إلى يونيو 2017، وكانت الشرارة التي اشعلت هذه المنطقة، المعروفة بتمردها، هي مأساة فردية أقرب إلى الحوادث المتفرقة، حصلت عندما قتل بائع السمك محسن فكري، البالغ من العمر 31 سنة، سحقاً في شاحنة للقمامة بينما كان يحاول منع الشرطة من تدمير بضاعته التي اصطادها بشكل غير مشروع.
مئات الاعتقالات
سرعان ما تطورت الاحتجاجات وتجاوزت الرغبة في إحقاق العدالة للعائلة لتشمل المطالب الاجتماعية بشكل أوسع. لم يكن الشاب محسن فكري يزاول عملا قاراً، و كان يكسب قوت عيشه من الاقتصاد غير المهيكل، على غرار الكثير من العائلات في هذه المنطقة المعزولة، مع أن الساكنة باتت ترى أن هذه الامكانية لم تعد متاحة. إن هذا الشاب راح ضحية عبثية إدارة تستطيع، على هواها، أن تمنع أو تغض الطرف كما تشاء.
لقد ازدادت حدة الاحتقان في هذه المنطقة عندما أصبح جزء من شمال غرب المغرب، جهة طنجة، يستفيد من استثمارات مهمة للغاية بعد تولي محمد السادس الحكم سنة 1999، وبات الناس يشعرون بالتهميش بسبب حرمان جهتهم من الخدمات العمومية التي تم توفيرها للجهات المجاورة، لهذا كانوا في مسيراتهم يطالبون بإنشاء وحدة جامعية وتوسيع المستشفى.
أما في زاكورة، فقد اندلعت « إحتجاجات العطش » في أكتوبر 2017، حيث كانت ساكنة هذه المدينة الواقعة في بوابة الصحراء، التي تقدر بـثلاثين الف نسمة، تحتج على الانقطاعات المتكررة في المياه الصالحة للشرب، والتي عزوها للاستغلال المفرط للمياه الباطنية من طرف مزارعي البطيخ الاحمر (الدلاح)، هذ النشاط الذي تشجعه السلطة ويستفيد منه المستثمرون الكبر.
وفي بولعلام، وسط البلاد، لم تكن هناك مظاهرات ولكن المأساة التي وقعت يوم 19 نوفمبر 2017، هزت البلاد وخلقت نقاشا في الصحافة. هذه القرية التي تقع على بعد ساعتين من المدينتين السياحيتين الصويرة ومراكش شهدت يومها وفاة 15 امراة دهسا تحت الاقدام في تدافع حول « قفة » زيت ومواد غذائية كانت توزعها جمعية خيرية دينية.
وأخيرا وليس آخرا، منذ نهاية شهر ديسمبر، أتى الدور على مدينة جرادة لكي يشهد حركة احتجاجية شعبية اندلعت عقب وفاة شابين شقيقين كانا يعملان في منجم غير قانوني لاستخراج الفحم. وهنا، مرة أخرى، ستكشف المأساة عن وضعية جماعية لم تعد محتملة: مدينة تعيش في حالة كارثية منذ إغلاق المنجم الرئيسي سنة 2001، ولكن البعض لا يزال يستفيد من تنظيم غامض لرخص الاستغلال والوساطة، ويستخدمون يداً عاملة بئيسة مستعدة للقيام بأي عمل مقابل رغيف خبز.
هذه الاحتجاجات المختلفة لم تتعامل معها السلطات بنفس الطريقة. في الريف كان القمع سيد الموقف حيث اعتقلت المئات ومعظمهم من الشباب ووجهت لهم تهما خطيرة بالانفصال ولا تزال المحاكمات جارية في حق القاصرين. وهذا كله يحدث وسط تطويق كامل للمنطقة من طرف عناصر الشرطة والجيش. وفي زاكورة أيضا تم اعتقال العشرات من المحتجين.
في جرادة، على مدى ستة أشهر، تبنت السلطة في بداية الامر خطابا متساهلا مع الاحتجاجات. وحتى أواخر يناير قال لنا مسؤول محلي: « سنحل المشكلة وسنقترح نموذجا جديدا في تدبير الحركات الاحتجاجية ». في ظل دولة مركزية مثل المغرب، من المستحيل أن يصدق المرء أن هذا النوع من الخطاب لم يأت من السلطات العليا، سيما أن الملك، منذ أواسط أكتوبر دعا في خطاب ألقاه أمام البرلمان إلى تغيير النموذج التنموي، ما يؤشر إلى أنه كان مستوعباً لحدة الغضب الشعبي.
الساكنة لا تريد أن تتحدث إلا مع الملك
هذه المقاربة المبنية على الحوار لم تصمد طويلا، حيث تم اعتقال تسعة اشخاص، يوم 14 مارس، خلال مواجهات اندلعت بين الشرطة والمحتجين ثلاثة أيام بعد اعتقال أربعة مناضلين. بعدها أعلنت الشرطة وقوع إصابات بجروح في صفوف عناصرها، بينما لا تُعرف أي حصيلة في صفوف المحتجين، ولو أن وسائل إعلام محلية قالت إن الجرحى تفادوا الذهاب إلى المستشفى مخافة اعتقالهم.
وفقا لوزارة الداخلية فإن « عناصر ملثمة » استفزت القوات العمومية برشقها بالحجارة. وعلى مواقع التواصل اتهم مناضلون محليون الشرطة بتعنيف المتظاهرين.
القصر الملكي واعٍ بالخطر الذي تنذر به هذه الاحتجاجات الاجتماعية. الفقر يتفاقم، والهوة بين الفقراء والاغنياء تتسع، ونسبة البطالة تجاوزت 42% في الوسط الحضري. سنة 2011 قطعت الملكية الطريق أمام « ربيعها » بمنح دستور جديد وتنظيم انتخابات سابقة لاوانها. واذا كان أغلبية المغاربة قد مالوا وقتها إلى خيار الاستقرار واحترام المؤسسة الملكية، فأنهم مع ذلك لم يتنازلوا عن مطالبهم بالعدالة الاجتماعية التي تشكل اختبارا للنظام الملكي.
أما في ما يخص الشطط في استعمال السلطة فقد صار من الصعب التستر عليه في زمن انتشار شبكات التواصل الاجتماعي حيث بات بمقدور الحركات الاجتماعية أن تنظم نفسها خارج الاطارات الرسمية. ففي جرادة مثلا، قام المحتجون بالتعبئة من دون الاستعانة بالنقابات، التي تدعم الاحتجاجات ولكنها لا تؤطرها. وعلى غرار كل حراك، فإن الانظار تتجه نحو المؤسسة الملكية لانها المؤسسة المركزية التي تعتبر الملاذ الاخير.
السلطات، إلى حدود الساعة، عاجزة على تلبية مطالب المحتجين. « إننا بصدد تشنيج للفعل السياسي » يقول الصحفي المغربي عبد الله الترابي الذي يعتبر أن « سنة 2017 شكلت منعطفا ربما أكثر أهمية من 2011 ». وكان الملك قد ألقى خطابا قاسيا عقب أحداث الحسيمة، في يونيو 2017، حمل فيه الطبقة السياسية مسؤولية تأخر مشاريع التنمية في الريف وأقال العشرات من المسؤولين.
كانت الحكومة قد خرجت لتوها من أزمة سياسية كبرى مرها إلى كون إسلاميي حزب العدالة والتنمية، رغم حصولهم على المرتبة الاولى في الانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر 2016، ظلوا عاجزين، على مدى خمسة أشهر، على تشكيل التحالف بسبب تآمر الاحزاب المقربة من القصر، الذي لا ينظر بعين الرضى الى أي تنظيم إسلامي قوي. وقد خرج منها حزب العدالة والتنمية ضعيفا، بعد أن كان يتمتع بشعبية قوية، وصار ينظر إليه ككل التنظيمات الاخرى التي تتحكم فيها السلطة الملكية التي اصبحت أكثر تمركزا وأكثر حضورا في الحقل السياسي من أي وقت مضى.
طبقة سياسية عديمة المصداقية، وحكومة ذات صلاحيات محدودة، وجمعيات ونقابات ضعيفة، كلها عوامل وضعت المؤسسة الملكية في الخط الامامي لمواجهة الغضب الشعبي. في هذا الصدد يقول عبد الله الترابي « عندما تندلع الاحتجاجات يريد المحتجون الحديث مع الملك فقط. لقد اختفت هيئات الوساطة وضعفت المؤسسات وباتت منزوعة المصداقية. لا أريد أن أقول بأننا على وشك الانفجار، ولكن، يجب أن نعترف أننا نسبح في اتجاه المجهول وأن الاوان قد حان لكي نطرح السؤال الآتي: إلى أين نحن ذاهبون؟
شارلوت بازوني
Soyez le premier à commenter